للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والمعنى أنه لم يوجد أحد هذه الأمور، وما امتنعت من ضربي.

وقال القاضي: ذكر الله المنع وأراد الداعي فكأنه قال: ما دعاك إلى ألا تسجد؛ لأن مخالفة أمر الله تعالى حالة عظيمة يتعجب منها ويسأل عن الداعي إليها.

وهذا قول من يتحرج من نسبة الزيادة إلى القرآن، وقد تقدم تحقيقه، وأن معنى الزيادة على معنى يفهمه أهل العلم، وإلا فكيف يدعي زيادة في القرآن بالعرف العام؟ هذا ما لا يقوله أحد من المسلمين.

و" ما " استفهامية في محل رفع بالابتداء، والخبر الجملة بعدها أي: أي شيء منعك؟ . و" أن " في محل نصب، أو جر؛ لأنها على حذف حرف الجر إذ التقدير: ما منعك من السجود؟ و" إذ " منصوب ب " تسجد " أي: ما منعك من السجود وقت أمري إياك به.

(فصل في دلالة الأمر)

احتجوا بهذه الآية على أن الأمر يفيد الوجوب؛ لأنه تعالى ذم إبليس على ترك ما أمر به، ولو لم يفد الأمر الوجوب لما كان مجرد ترك المأمور به يوجب الذم.

فإن قالوا: هب أن هذه الآية تدل على أن ذلك الأمر كان يفيد الوجوب فلعل تلك الصيغة في ذلك الأمر كانت تفيد الوجوب، فلم قلتم: إن جميع الصيغ يجب أن تكون كذلك؟

والجواب: أن قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} يفيد تعليل ذلك الذم بمجرد ترك الأمر، لأن قوله: " إذ أمرتك " مذكور في معرض التعليل، والمذكور في قوله: إذ أمرتك " هو الأمر من حيث إنه أمر لا كونه أمرا مخصوصا في صورة مخصوصة فوجب أن يكون ترك الأمر من حيث إنه أمر موجبا للذم.

(فصل في دلالة الأمر على الفور أم التراخي)

واحتجوا أيضا بهذه الآية على أن الأمر يقتضي الفور، قالوا: لأنه تعالى ذم إبليس على ترك السجود في الحال، ولو كان الأمر لا يفيد الفور لما استوجب الذم بترك السجود في الحال.

قوله: " أنا خير منه " اعلم أن قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} طلب للداعي الذي دعاه إلى ترك السجود، فحكى تعالى عن إبليس ذكر ذلك الداعي، وهو أنه قال: " أنا خير منه ".

قوله: " خلقتني من نار " لا محل لهذه الجملة؛ لأنها كالتفسير والبيان للخيرية ومعناه: أنا لم أسجد لآدم؛ لأني خير منه ومن كان خيرا من غيره فإنه لا يجوز أمر ذلك الأكمل بالسجود لذلك الأدون، ثم بين المقدمة الأولى، وهو قوله: " أنا خير منه " بأن قال

<<  <  ج: ص:  >  >>