هذه [منصوبةً] ب» جَعَلَ «مقدَّراً فتكون هذه المنصوباتُ مفعولاً أوَّلاً، و» مُسَخَّرَات «مفعولاً ثانياً.
وأمَّا قراءةُ حفص في النَّحْلِ، فإنَّهُ إنَّما رفع هنا؛ لأنَّ النَّاصِبَ هناك» سخَّر «وهو قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ}[النحل: ١٢] فلو نصب» النُّجُوم «و» مُسَخَّراتٍ «لصار اللفظ: سَخَّرها مُسَخَّراتٍ، فيلزم التَّأكيد، فلذلك قطعهما على الأوَّلِ ورفعهما جملة مُسْتَقلَّة. والجمهورُ يخرِّجونها على الحال المؤكدة، وهو مستفيض في كلامهم، أو على إضمار فِعْلٍ قبل» والنُّجُوم «أي: وجعل النُّجوم مُسخَّراتٍ، أو يكون» مُسَخَّرات «جمع مُسَخَّر المرادُ به المصدر، وجُمِع باعتبار أنواعه كأنَّهُ قيل: وسخَّر لكم اللَّيْلأ، والنَّهار، والشَّمس، والقمر، والنجوم تسخيراتٍ أي أنْواعاً من التَّسْخِيرِ.
قوله:» بأمْرِهِ «متعلق ب» مُسَخَّراتٍ « [أي] : بتيسيره وإرادته لها في ذلك، ويجوزُ أن تكون» الباءُ «للحال أي: مصاحبةً لأمره غير خارجة عنه في تسخيرها، ومعنى مُسَخَّراتٍ أي: منزلات بأمره.
فصل في بيان حركة الشمس
قال ابن الخطيب: إن الشَّمْس لها نوعان من الحركة:
أحدهما: حَرَكَتُهَا بحسب ذاتِهَا، وهي إنما تتم في سَنَةٍ كامِلَةٍ وبسبب هذه الحركة تحصلُ السَّنةُ.
والنوعُ الثاني: حركتها بحسب حركة الفلك الأعظم، وهذه الحركة تَتِمُّ في اليومِ بليلته.
وإذا عُرف هذا فنقول: اللَّيْلُ والنَّهَارُ لا يحصل بحركة الشَّمْس، وإنَّمَا يحصلُ بسبب حركةِ السَّماءِ الأقصى التي يقالُ لها: العَرْشُ، فلهذا السبب لمَّا ذكر العَرْشَ بقوله:{ثُمَّ استوى عَلَى العرش} ربط به قوله: {يُغْشِي الليل النهار} تنبيهاً على أنَّ سبب حُصُول اللَّيْلِ والنَّهارِ هو حركة الفلك الأقصى، لا حركة الشمس والقمر، وهذه دقيقةٌ عجيبةٌ.
قوله:{أَلَا لَهُ الخلق والأمر} .
يجوزُ أن يكون مَصْدراً على بابِهِ، وأن يكُونَ واقِعاً مَوْقِعَ المفعوُولِ به.
«لَهُ الخَلْقُ» ؛ لأنَّهُ خلقهم، و «الأمْرُ» : يأمر في خلقه بما يشاء قال سفيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. فرّق الله بين الخلق والأمر، فمن جمع بَيْنَهُمَا فقد كَفَرَ.