فإنا نعود إليها، والشريعة المنسوخة لا يبعد أن يأمر الله] بالعمل بها مرة أخرى، وعلى هذا التقدير يسقط استدلالكم.
وسادسها: قال الجبائي: المراد من الملّة الشريعة التي يجوز اختلاف التعبد فيها بالأوقات كالصلاة والصيام وغيرهما، فقال شعيب:{وما كان لنا أن نعود في ملتكم} فلما دخل في ذلك كل ما هم عليه، وكان من الجائز أن يكون بعض تلك الأحكام والشرائع باقياً غير مسنوخ، لا جرم قال:{إلا أن يشاء الله} والمعنى: إلا أن يشاء الله بقاء بعضها، فيدلّنا عليه، فحينئذ نعود إليها، فهذا الاستثناء يعود إلى الأحكام التي يجوز النسخ والتغيير فيها، ولا يعود إلى ما لا يقبل التغيير ألبتة، فهذه أسئلة القوم.
وتمسك المعتزلة بهذه الآية على صحة قولهم من وجهين:
الأول: أن ظاهر قوله {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله} يقتضي أنه لو شاء الله عودنا إليها لكان لنا أن نعود إليها، وذلك يقتضي أن كلَّ ما شاء الله جوده كان فعله جائزاً مأذوناً فيهن ولم يكن حراماً، قالوا: وهذا عين مذهبنا أن كل ما أراد حصوله كان حسناً مأذوناً فيه، وما كان حراماً ممنوعاً منه لم يكن مراداً لله تعالى.
الثاني: ان قولهم: «لنخرجنّك أو لتعودُنَّ» لا وجه للفصل بين هذين القسمين على قول الخصم، لأن على قولهم خروجهم من القرية بخلق الله وعودهم إلى تلك القرية أيضاً بخلقه، وإذا كان حصول القسمين بخلق الله، لم يبق للفرق بين القسمين فائدة.
واعلم أنه لمّا تعارض استدلال الفريقين بهذه الآية وجب الرجوع إلى بقية الآيات في هذا الباب.
قوله:{وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} نصب «عِلْماً» على التمييز وهو منقول من الفاعلية، تقديره: وَسِعَ علمُ ربِّنا كلَّ شيء كقوله تعالى: {واشتعل الرأس شَيْباً}[مريم: ٢٤] والمعنى: أحاط علمه بكل شيء.
ثم قال:{عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا} فيما توعدوننا به، ثم دعا شعيب بعدما أيس من فلاحهم فقال:{رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} .
قال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي:«احكم واقض» .
وقال الفراء:«وأهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح؛ لأنه يفتح مواضع الحقِّ» .