فما الفائدة فيه مع أن الإيمان يجبُ أن يكون متقدِّماً على السُّجُودِ؟ .
فالجوابُ، من وجوه، أحدها: أنَّهُم لما ظفروا بالمعرفة سجدوا للَّه تعالى في الحال، وجعلوا ذلك السُّجُود شكراً لِلَّه تعالى على الفَوْزِ بالمَعْرفِة والإيمان، وعلامة على انقلابهم من الكفر إلى الإيمان، وإظهاراً للتَّذلل، فكأنَّهم جعلوا ذلك السُّجُود الواحد علامةً على هذه الأمور.
وثانيها: لا يبعد أنَّهُمْ عند الذهاب إلى السُّجود قالوا: {قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين} .
فصل
فإن قيل: لمّا قالوا: {قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين} دخل موسى وهارون في ملة العالمي، فما فائدة تخصيصهما بعد ذلك؟
فالجواب من وجهين:
الأول: ان التقدير آمنا برب العالمين، وهو الذي دعا إلى الإيمان به وبموسى وهارون.
قوله:«آمنتم» اختلف القرَّاءُ في هذا الحرف هنا، وفي طه وفي الشعراءِ، فبعضهم جرى على منوالٍ واحد، وبعضهم قرأ في موضع بشيءٍ لمْ يقرأ بِهِ في غيره، وهم في ذلك على أربع مراتب.
الأولى: قراءة الأخوينِ، وأبي بكر عن عاصمٍ بتحقيق الهمزتين في السُّور الثَّلاثِ من غير إدخال ألف بينهما، وهو استفهام إنكارٍ، وأمَّا الألفُ الثَّالثة فالْكلُّ يَقْرءُونَهَا كذلك، لأنَّهَا فاءُ الكلمة، أبدلتْ لسكونها بعد همزة مفتوحة، وذلك أنَّ أصْلَ هذه الكلمةِ أَأَأْمنْتم بثلاثِ همزاتٍ: الأولى للاستفهام، والثَّانيةُ همزة «أفْعَلَ» ، والثَّالثةُ فاء الكلمة، فالثَّالثة يجبُ قبلها ألفاً، لما تقدم أوَّل الكتاب، وأمَّا الأولى فمُحَقَّقه ليس إلَاّ، وأمَّا الثَّانيةُ فهي الَّتي فيها الخلاف بالنِّسبة إلى التَّحقيقِ والتَّسْهيلِ.
الثانية: قراءة حفص وهي «منتم» بهمزة واحدة بعدها الألفُ المشار إليها في جميع القرآن، وهذه القراءةُ تحتمل الخبرَ المَحْضَ المتضمِّنَ للتَّوبيخ، وتحتمل الاستفهامَ المشارَ إليه، ولكنه حُذِفَ لفهم المعنى، ولقراءة الباقين.
الثالثة: قراءة نافعٍ وابن عمروٍ وابن عامر والبزِّي عن ابن كثير وهي تحقيقُ الأولى، وتسهيلُ الثانية بين بين، والألف المذكورة، وهو استفهام إنكاري، كما تقدم.