للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الرابعة: قراءةُ قنبلٍ عن ابنِ كثير، وهي التَّفرقةُ بين السُّور الثَّلاثِ.

وذلك أنَّهُ قرأ في هذه السُّورة حال الابتداء ب «أآمنتم» بهمزتين، أولاهما محققة والثَّأنية مُسَهَّلة بَيْنَ بَيْنَ وألف بعدها كقراءة البزِّي، وحال الوصل يقرأ: «قَالَ فِرْعَوْنُ وآمَنْتُم» بإبدال الأولى واواً، وتسهيل الثَّانية بين بين وألف بعدها، وذلك أنَّ الهمزة إذا كانت مفتوحةً بعد ضمَّةٍ جاز إبدالُهَا واواً سواء أكانت الضَّمَّةُ والهمزةُ في كلمةٍ واحدةٍ نحو: مُرْجَؤونَ، و {يُؤَاخِذُكُمُ} [البقرة: ٢٢٥] ومُؤجَّلاً أم في كلمتنين كهذه الآيةِ، وقد فعل ذلك أيضاً في سورة الملك في قوله: {وَإِلَيْهِ النشور أَأَمِنتُمْ} [الملك: ١٥ - ١٦] فأبدلَ الهمزةَ الأولى واواً، لانضمام ما قَبْلهَا حال الوصل، وأمَّا في الابتداءِ فيخففها لزوال الموجبِ لقلبها، إلَاّ أنَّه ليس في سورة الملكِ ثلاثُ همزاتٍ، وسيأتي إن شاء اللَّهُ تعالى في موضعه.

وقرأ في سورة طه كقراءة حفص: أعني بهمزة واحدة بعدها ألف، وفي سورة الشعراء كقراءة رفيقه الزّيّ، فإنَّهُ ليس قبلها ضمة؛ فيبدلها واواً في حال الوصل.

ولم يُدخلْ أحدٌ من القراء مدّاً بين الهمزتين هنا سواءً في ذلك من حقَّق أو سهَّل، لئلَاّ يجتمع أربعُ متشابهاتٍ، والضميرُ في «به» عائدٌ على اللَّهِ تعالى لقوله: {قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين} ويجوزُ أن يعود على موسى، وأمَّا الذي في سورة طه والشعراء في قوله {آمَنتُمْ بِهِ} فالضَّميرُ لموسَى لقوله {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} .

فصل

اعلم أنَّ فرعون لمَّا رأى إيمان السَّحرةٍ بنبوة موسى - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - عند اجتماع الخلق خاف من أن يصير ذلك حجّة قويَّة على صحَّةِ نبوة موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - فألقى في الحالِ شبهتين إلى أسْماعِ العوامِّ؛ ليمنع القوم من اعتقاد نُبوةِ موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام -.

الأولى: قوله: {إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المدينة} أي: إنَّ إيمان هؤلاء بموسى ليس لقوة الدَّليل بل لأنَّهم تَوَاطَئُوا مع مُوسى أنَّه إذا كان كذا وكذا فنحن نُؤمن بِك.

الثانية: أنَّ غرض موسى والسَّحرة فيما تواطئوا عليه إخراج القوم من المدينة، وإبطال ملكهم.

ومعلوم عند جمع العقلاء أنَّ مُفارقَةَ الوطنِ والنِّعْمَة المألوفة من أصعبِ الأمور فجمع فرعون اللّعينُ بين الشُّبهتين، ولا يوجد أقوى منهما في هذا الباب.

وروى محمَّدُ بنُ جريرٍ عن السُّدِّي في حديثٍ عن ابن عباس، وابن مسعودٍ وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>