من الصَّحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أجمعين أن موسى عليه السلام وأمير السحرة التقيا فقال موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: أرأيتك إن غلبتك أن تؤمن بي وتشهدَ أنَّ ما جِئتُ به الحقّ؟ فقال الساحر: واللَّهِ لئن غلبتني لأومِنَنَّ بك، وفرعون ينظر إليهما ويسمعُ قولهما، فهذا قولُ فرعون: {إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المدينة} .
قال القاضي: وقوله {قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ} دليلٌ على مناقضة فرعون في ادِّعاءِ الألوهية، لأنَّهُ لو كان غلهاً لما جاز أن يأذنَ لهم في أن يُؤمنوا به مع أنَّهُ يدعثوهُمْ إلى إلهيَّةِ غيره، وذلك من خذلان اللَّهِ الذي يظهرُ على المُبطلين.
قوله: «فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» حُذِفَ مفعولُ العلم، للعلم به، أي: تعلمون ما يحلُّ بكم، وهذا وعيدٌ مجمل، ثُمَّ فَسَّرَ هذا المُبْهَمَ بقوله: «لأقَطَّعَنَّ» جاء به في جملةٍ قَسَمِيِّةِ؛ تأكيداً لِمَا يَفْعَله.
وقرأ مجاهدُ بنُ جبر، وحميد المكي، وابنُ مُحَيْصنٍ:
«لأقْطعَنَّ» مخففاً من «قَطَعَ» الثلاثي، وكذا لأصْلُبَنّكُم من «صَلَبَ» الثلاثي.
رُوي بضم اللام وكسرها، وهما لغتان في المضارع، يُقال: صَلَبَهُ يَصْلُبُهُ ويَصْليُهُ.
قوله: «مِنْ خلافٍ» يُحتمل أن يكون المعنى: على أنَّهُ يقطع من كُلِ شقَّ طرفاً، فيقطع اليدَ اليمنى، والرِّجل اليسرى، وكذا هو في التفسير، فيكونُ الجارُّ والمجرور في محلِّ نصبٍ على الحال، كأنَّهُ قال: مُختلفةً، يُحْتملُ أن يكون المعنى: لأقَطَّعَنَّ لأجْلِ مخالفتكم إيَّاي فتكون «مِنْ» تعليليةً وتتعلَّق على هذا بنفس الفعل، وهو بعيدٌ.
و «أجْمَعِينَ» تأكيدُ أتى به دون كلّ وإن كان الأكثرُ سبقهُ ب «كلّ» وجيء هنا ب «ثُمَّ» ، وفي: طه والشعراء بالواو، لأن الواو صالحةٌ للمُهْلة، فلا تَنَافِيَ بين الآيات.
فصل
اختلفوا هل فعل بهم ذلك أم لا؟ فنقل عن ابْنِ عبَّاسٍ أنَّهُ فعل بهم ذلك.
وقال غيره: لم يقع من فرعون ذلك، بل استجاب اللَّه دعاءهم في قولهم: «وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ» .
وقوله: {إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} جَوَّزُوا في هذا الضَّمير وجهين، أحدهما: أنَّهُ يَخُصُّ السَّحرةَ، لقوله بعد ذلك {وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ} فإنَّ الضَّميرَ في مِنَّا يَخُصُّهُمْ.
وجَوَّزُوا أن يعود عليهم، وعلى فرعون، أي: إنَّا - نحن وأنت - ننقلب إلى للَّهِ،