أحدهما: اسْعِفْنَا إلى ما نطلب إليك من الدُّعاء بحق ما عندك من عهد الله، وكرامته إيَّاك بالنُّبُوَّةِ أو ادع اللَّه لنا مُنتَوَسِّلاً إليه بعهده عندك، وإمَّا أن يكون قَسَماً مُجَاباً ب» لنُؤمِنَنَّ «أي:» أقْسَمْنَا بِعَهْدِ اللَّهِ عندك «.
فصل
اعلمْ أنَّهُ تعالى بيَّن ما كانُوا عليه من المُناقضة القبيحة، لأنَّهم تارة يكذبون موسى عليه الصَّلاة والسَّلام، وأخرى عند الشَّدائد يفزعون إليه فزع الأمة إلى نبيّها ويسألونه أن يسأل رَبَّه رفع العذاب عنهم، وذلك يقتضي أنهم سَلَّمُوا كونه نبيّاً مجاب الدَّعْوَة، ثُمَّ بعد زوال تلك الشَّدائد يعودون إلى تكذيبه.
وقوله:{فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز إلى} . أي: العذاب. إلى أجلٍ فيه وجهان: أحدهما: أن يتعلَّقَ ب «كَشَفْنَا وهو المشهور، وعليه إشكال وهو أنَّ ما دخَلَتْ عليه» لَمَّا «يترتَّبُ جوابُهُ على ابتداء وقوعه، والغايةُ تنافي التعليق على ابتداء الوقوع، فلا بُدَّ من تعقُّل الابتداء والاستمرار حتَّى تتَحقَّقَ الغاية، ولذلك لا تقعُ الغاية في الفعل غير المتطاول.
لا يُقالُ: لمَّا قتلتُ زيداً إلى يوم الخميس جَرضى كَذَا، ولا لمَّا وثبت إلى يوم الجمة اتَّفق كذا، وقد يُجَابُ بأنَّ المرادَ بالأجَل هنا: وقتُ إيمانهم، وإرسالهم بني إسرائيل معه، ويكون المرادُ بالكشفِ: استمرارَ رفع الرِّجْزِ.
كأنه قيل: فَلَمَّا تمادَى كَشَفْنَا عنهم إلى أجل، وأمَّا مَنْ فَسَّرَ» الأجَلَ «بالمَوْتِ أو بالغَرَقِ فيحتاج إلى حَذْفِ مضاف تقديرُهُ: فَلَمَّا كَشَفْنَا عنهم الرجزَ إلى أجل قُرْب أجل هم بالغوه، وإنَّما احتاج إلى ذلك، لأنَّ بين موتهم أو غرقهم حصل منهم نكثٌ، فكيف يُتَصَوَّرُ أن يكون النَّكْثُ منهم بعد موتهم، أو غرقهم؟
والثاني: أنَّهُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ على أنَّهُ حال من» الرِّجز «أي: فَلَمَّا كَشَفْنَا عنهم الرجزَ كَائِناً إلى أجل، والمعنى: أنَّ العذابَ كان مُؤجَّلاً.
قال أبُو حيَّان: وَيُقَوِّي هذا التأويلَ كونُ جواب» لمَّا «جاء ب» إذا «الفجائية أي: فَلَمَّا كَشَفْنَا عنهم العذابَ المقرَّر عليهم إلى أجلٍ فاجؤوا بالنَّكْثِ، وعلى معنى تَغْيِيَتِهِ الكشفَ بالأجَل المبلوغ لا تتأتى المفاجأة إلَاّ على تأويل الكشفِ بالاستمرار المُغيَّا فيمكن المفاجأة بالنَّكْث إذْ ذاك ممكن.
قوله:» هم بَالِغُوهُ «في محلِّ جرٍ صفة ل» أجَلٍ «والوصف بهذه الجملةِ أبلغُ من وصفِهِ بالمفرد، لتكررِ الضَّمير المؤذن بالتَّفخيم.