مانعة له عن فهم الكلام الدَّال على صحَّة الشيء، ومانعة عن إبصار محاسنه وفضائله وهذه حالة وجدانية ضرورة يجدُها كلُّ أحدٍ من نفسه. ولهذا قالوا في المثل: حُبُّكَ للشَّيءِ يُعْمِي ويُصِمُّ.
وإذا ثبت هذا فنقول: إن أقواماً من الكُفَّارِ بلغوا في عداوة الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وفي بغضِهِ وشدَّةِ النُّفرةِ عن قبول دينه والاعتراف برسالته هذا المبلغ وأوقى منه والعلمُ الضروريُّ حاصلٌ بأنَّ حصول الحُبِّ والبُغْض في القلب ليس باختيارِ أحدٍ.
وإذا ثبت أنَّهُ متى حصلت هذه النُّفرة والعداوةُ في القلب، فإنَّ الإنسان لا يمكنه مع تلك النُّفرة الراسخة والعداوة الشديدة تحصيل الفهم والعلم، فإذا كان كذلك كان القول بالجبر لا محيص عنهُ.
فصل
وقد أورد الغزالي في الإحياء سؤالاً، فقال: فإن قيل: إني أجد من نفسي أنَّي إن شئت الفعل فعلت، وإن شئت الترك تركت، فيكون فعلي حاصلاً بي لا بغيري.
ثم أجاب وقال: هب أنك وجدت من نفسك ذلك إلا أنا نقول: وهل تجد من نفسك أنك إن شئت أن تشاء شيئا شئته، وإن شئت أن لا تشاء [لم تشأه] ما أظنك أن تقول ذلك وإلا لذهب الأمر فيه إلى ما لا نهاية له؛ بل شئت أو لم تشأ فإنك تشاء ذلك الشيء وإذا شئته فشئت أو لم تشأ فعلته؛ فلا مشيئتك به ولا حصول فعلك بعد حصول مشيئتك فالإنسان مضطر في صورة مختار.
واستدلوا بهذه الآية على أن محل العلم هو القلب؛ لأنه تعالى نفى الفقه والفهم عن قلوبهم في معرض الذم.
قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الآية.
وهذا كالتنبيه على أن الموجب لدخولهم جهنم هو الغفلة عن ذكر الله.
واعلم أن قوله: {ولله الأسماء الحسنى} مذكور في أربع سور:
أولها: هذه السورة.
وثانيها: آخر الإسراء {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: ١١٠] .
وثالثها: أول طه. {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} [طه: ٨] .
ورابعها: آخر الحشر {له الأسماء الحسنى} [الحشر: ٢٤] .
والحسنى فيها قولان، أظهرهما: أنها تأنيث: " أحسن " والجمع المكسر لغير العاقل يجوز أن يوصف به المؤنث نحو: {مآرب أخرى} [طه: ١٨] ولو طوبق به لكان التركيب " الحسن " كقوله: {من أيام أخر} [البقرة: ١٨٤] .