هذا الوجه أن تكون الكاف للتشبيه على سبيل المجاز كقول القائل لعبده: كما رجعتك إلى أعدائي فاستضعفوك، وسألت مدداً فأمددتُكَ، وأزحت عللك، فخذهم الآن وعاقبهم، كما أحْسنْتُ إليك وأجريتث عليك الرزق، فاعملْ كذا، واشكرني عليه، فتقدير الآية: كما أخرجك ربُّك من بيتك بالحق وغشَّاكم النُّعاسَ أمَنَةً منه، وأنزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وأنزل عليكم من السَّماء ملائكة مردفين فاضربوا فوق الأعناق، واضربوا منهم كُلَّ بنان. كأنه يقولُ: قد أزَحْتُ عللكم، وأمددتكم بالملائكة، فاضربُوا منهم هذه المواضع وهو القتل، لتبلغوا مراد الله في إحقاق الحقِّ، وإبطال الباطلِ، وهذا الوجه بعد طوله لا طائل تحته لبُعدِه من المعنى وكثرة الفواصل.
التاسع عشر: التقدير: كما أخرجك ربك من بيتك بالحقِّ، أي: بسبب إظهار دين اللَّهِ، وإعزاز شريعته، وقد كرهوا خروجك تَهَيُّباً للقتال وخَوْفاً من الموت إذ كان أمر النبي - عليه الصَّلاة والسَّلام - بخروجهم بغتةً، ولم يكونُوا مُسَْعِدِّين للخروج، وجادلوك في الحقِّ بعد وضوحه نصرك اللَّهُ وأمدَّك بملائكته ودلَّ على هذا المحذوفِ الكلامُ الذي بعده، وهو قوله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ}[الأنفال: ٩] الآيات.
وهذا الوجهُ استحسنه أبو حيَّان، وزعم أنه لمْ يُسْبَق به.
ثم قال:«ويظهرُ أنَّ الكاف ليست لمحضِ التَّشبيه، بل فيها معنى التَّعليل» .
وقد نصَّ النحويُّون على أنَّها للتعليلِ وخرَّجُوا عليه قوله تعالى:{واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ} .
وأنشدوا:[الرجز]
٢٦٧١ - لا تَشْتُمِ النَّاسَ كَمَا لا تُشْتَمُ ... أي: لانتفاءِ شتم النَّاس لك لا تشتمهم.
ومن الكلام الشَّائِعِ: كما تطيع اللَّه يدخلك الجنَّة، أي: لأجل طاعتك الله يدخلك الجنَّة، فكذا الآية، والمعنى: لأنْ خرجت لإعزاز دين اللَّهِ، وقتل أعدائه ونصرك وأمدَّك بالملائكة.
العشرون: تقديره: وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما إخرجُك في الطَّاعة خيرٌ لكم كما كان إخراجك خيراً لهم، وهذه الأقوالُ ضعيفة كما بينا.
قوله:«بالحَقِّ» فيه وجهان:
أحدهما: أن يتعلَّق بالفعل، أي: بسبب الحقِّ، أي: إنَّه إخراجٌ بسبب حق يظهر وهو علوُّ كلمة الإسلام، والنَّصرُ على أعداء اللَّهِ.