قوله:«أنِّي» العامةُ على فتح الهمزةِ بتقدير حذف حرف الجرّ، أي: فاستجاب بأني.
وقرأ عيسى بن عمر، وتروى عن أبي عمرو أيضاً «إنِّي» بكسرها، وفيها مذهبان، مذهب البصريين: أنَّهُ على إضمار القول، أي: فقال: إني ممدُّكم.
ومذهب الكوفيين: أنَّها مَحكيَّةٌ ب «اسْتَجَابَ» إجراءً له مُجْرَى القولِ؛ لأنَّه بمعناه.
قوله:«بألفٍ» العامَّةُ على التَّوحيدِ، وقرأ الجحدريُّ «بآلفٍ» بزنة «أفْلُسِ» وعنه أيضاً، وعن السدي «بآلاف» بزنة: أحْمَال «، وفي الجمع بين القراءتين، وقراءة الجمهور أن تحمل قراءةُ الجمهورِ على أنَّ المرادَ ب» بالألْفِ هم الوجوه، وباقيهم كالأتباع لهم، فلذلك لم يَنُصَّ عليهم في قراءة الجمهور، ونصَّ عليهم في هاتين القراءتينِ، أو تحمل الألف على من قاتل من الملائكة دون من لم يقاتل، فلا تَنَافِي حينئذٍ بين القراءاتِ.
قوله:«مُردفينَ» قرأ نافع، ويروى عن قنبل أيضاً:«مُردَفينَ» بفتح الدَّال، والباقون بكسرها، وهما واضحتان؛ لأنه يُروى أنه كان وراء كلّ ملكٍ رديفٌ له، فقراءة الفتحِ تُشعر بأنَّ غيرهم أردفهم، لركوبهم خلفهم، وقراءة الكسر تشعر بأنَّ الراكب خلف صاحبه قد أردفه فصحَّ التَّعبيرُ باسم الفاعل تارةن وباسم المعفول أخرى، وجعل أبو البقاءِ مفعول «مُردفين» يعني بالكسر محذَوفاً أي: مُردفين أمثالهم، وجوَّز أن يكون معنى الإرداف: المجيء بعد الأوائل، أي: جعلوا ردفاً للأوائل. ويطلب جواب عن كيفيَّةِ الجمع بين هذه الآية، وآية آل عمران حيث قال هناك «بخَمْسَة» وقال هنا: «بألفٍ» والقصّة واحدة؟
والجوابُ: أنَّ هذه الألف مردفةٌ لتلك الخمسة؛ فيكون المجموعُ ستة آلاف، ويظهر هذا، ويقوى في قراءة:«مُردِفينَ» بكسر الدَّالِ.
وقد أنكر أبو عبيدٍ: أنْ تكون الملائكةُ أردفت بعضها أي: ركَّبَتْ خلفها غيرها من الملائكةِ.
وقال الفارسيُّ: من كسر الدَّال احتمل وجهين:
أحدهما: أن يكونوا مردفين مثلهم كما تقول: أردفتُ زيداً دابتي، فيكون المفعولُ الثَّاني محذوفاً، وحذفُ المفعولِ كثيرُ، والوجه الآخرُ: أن يكونوا جَاءُوا بعد المسلمين.
وقال الأخفشُ «بنو فلان يَردفوننا، أي: يَجيئُون بعدنا» .
وقال أبُو عبيدة «مُردفينَ» جاءوا بعدُ، وردفني، وأردفني واحد.