قال الفارسي: هذا الوجه كأنه أبْيَنُ لقوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} فقوله: «مُردفينَ» أي: جائين بعد، لاستغاثتكم، ومن فتح الدَّال فهم مُردفُون على أرْدِفُوا الناسَ، أي: أنْزِلُوا بعدهم.
وقرأ بعض المكيين فيما حكاه الخليلُ: «مُردِّفينَ» بفتح الرَّاء وكسر الدَّالِ مشدَّدة، والأصلُ: «مُرتدفينَ» فأدغم.
وقال أبو البقاءِ: إنَّ هذه القراءة مأخوذةٌ من «رَدَّفَ» بتشديد الدَّال على التكثير وإنَّ التضعيف بدلٌ من الهمزة ك: «أفْرحتَهُ وفرَّحْته» .
وجوَّز الخليلُ بنُ أحمد: ضمَّ الراءِ إتباعاً لضم الميم، كقولهم: «مُخُضِم» بضم الخاءِ، وقد قراء بها شذوذاً.
وقرىء «مُرِدِّفين» بكسر الرَّاءِ وتشديد الدَّالِ مكسورة، وكسر الراء يحتمل وجهين: إمَّا لالتقاءِ الساكنين، وإمَّا للإتباع.
قال ابنُ عطيَّة: «ويجوزُ على هذه القراءةِ كسرُ الميم إتباعاً للرَّاءِ، ولا أحفظه قراءة» .
قال شهابُ الدِّين: وكذلك الفتحة في «مُردِّفينَ» في القراءة التي حكاها الخليلُ تحتمل وجهين:
أظهرهما: أنَّها حركةُ نقلٍ من التَّاء - حين قصد إدغامها - إلى الرَّاءِ.
والثاني: أنَّها فُتِحَتْ تخفيفاً وإن كان الأصلُ الكسر على أصل التقاء السَّاكين، كما قد قُرىء به، وقرىء «مِرِدِّفين» بكسر الميم، إتباعاً لكسرةِ الرَّاءِ.
و «الإرداف» الإتباع، والإركاب، وراءك.
وقال الزَّجَّاجُ: «أردفْتُ الرَّجُلَ إذا جئت بعده» .
ومنه: {تَتْبَعُهَا الرادفة} [النازعات: ٧] ويقال: رَدِف، وأرْدَفَ.
واختلف اللغويون: فقيل هما بمعنى واحد، وهو قول ابن الأعرابي نقله عنه ثعلب.
وقولُ أبي زيْد نقله عنه أبو عبيدٍ، قال: يقال: ردفْتُ الرَّجُلَ وأردفتُهُ، إذا ركِبْتُ خَلْفَهُ؛ وأنشد: [الوافر]
٢٦٧٥ - إذَا الجَوْزَاءُ أرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ... ظَنَنْتُ بآل فَاطِمَةَ الظُّنُونَا