للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والألف واللام في «الأشهر» يجوز أن تكون للعهد، والمراد بها: الأشهرُ المتقدمة في قوله: {فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: ٢] ، والعربُ إذا ذكرت نكرة، ثم أرادت ذكرها ثانياً أتت بضميره؛ أو بلفظه مُعرَّفاً ب «أل» ، ولا يجوز حينئذ أن نصفهُ بصفةٍ تُشْعر بالمغايرة، فلو قيل: «رأيت رجلاً، فأكرمتُ الرَّجل الطَّويل» لمْ تُرد بالثَّاني الأول وإن وصفته بما لا يقتضي المغايرة جاز، كقولك: فأكرمت الرجل المذكور، ومنه هذه الآية، فإنَّ «الأشهر» قد وصفت ب «الحُرُم» ، وهي صفةٌ مفهومة من فحوى الكلام فلم تقتض المغايرة، ويجوزُ أن يراد بها غيرُ الأشهر المتقدمة، فلا تكون «أل» للعهد وقد ذكر المفسرون الوجهين.

قالوا: المرادُ بالأشهر الحرم: الأربعة، رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.

وقال مجاهدٌ وابن إسحاق: «هي شهور العهد فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر، ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء المحرم خمسون يوماً» .

وقيل لها حرم: لأنَّ الله حرَّم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتَّعرض لهم.

فإن قيل: هذا القدر بعض الأشهر الحرم، واللهُ تعالى يقول: {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم} . قيل: لمَّا كان القدر متصلاً بما مضى أطلق عليه اسم الجمع، ومعناه: مضت المدة المضروبة التي يكون معها انسلاخ الأشهر الحرم.

قوله {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ واحصروهم واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} .

اعلم أنَّه تعالى أمر بعد انقضاءِ الأشهر الحرم بأربعة أشياء:

أولها: قوله: {فاقتلوا المشركين} أي: على الإطلاق في أي وقت كان في الحل أو الحرمِ.

وثانيها: «وَخُذُوهُمْ» أي: أسروهم.

وثالثها: «واحصروهم» والحصر: المنع، أي: امنعوهم من الخروج إن تحصنوا، قاله ابن عباس.

وقال الفرَّاءُ «امنعوهم من دخول مكَّة والتَّصرف في بلاد الشام» .

ورابعها: قوله {واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} . في انتصاب «كل» وجهان:

أحدهما: أنه منصوبٌ على الظرف المكاني.

قال الزجاج «نحو: ذهبت مذهباً» . وردَّ عليه الفارسيُّ هذا القول من حيث إنَّه ظرف مكان مختص، والمكانُ المختصُّ لا يصلُ إليه الفعلُ بنفسه بل بواسطة؛ في نحو: صَلَّيْتُ في الطريق وفي البيت، ولا يصل بنفسه إلَاّ في ألفاظٍ محصورةٍ بعضها ينقاس،

<<  <  ج: ص:  >  >>