وهو أنَّهُ جعله ممَّا حذف فيه الحرفُ اتِّساعاً، لا على الظرف، لأنه ظرف مكان مختص.
قال أبو حيَّان «إنه ينتصبُ على الظرف؛ لأنَّ معنى» واقعُدُوا «لا يراد به حقيقةُ القعود، وإنما يراد: ارصدوهم، وإذا كان كذلك فقد اتفق العامل والظرف في المادة، ومتى أتفقا في المادة لفظاً، أو معنًى، وصل إليه بنفسه، تقول: جلست مجلس القاضي، وقعدت مجلس القاضي، والآيةُ من هذا القبيل» .
والثاني: أنه منصوبٌ على إسقاط حرف الجر، وهو «على» ، أي: على كلِّ مرصد قاله الأخفشُ، وجعله مثل قول الآخر:[الطويل]
وهذا لا ينقاس، بل يقتصر فيه على السَّماع، كقوله:{لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ}[الأعراف: ١٦] ، أي: على صراطك، اتفق الكل على تقدير «على» ، وقال بعضهم: هو على تقدير الباء، أي: بكل مرصد، نقله أبو البقاء، وحينئذٍ تكون الباء بمعنى «في» فينبغي أن تقدَّر «في» لأنَّ المعنى عليها؛ وجعله نظير قول الشاعر:[الوافر]
والمِرْصَادُ: المكانُ المختص بالترصُّد، والمرصد: يقع على الرَّاصد، سواءً كان مفرداً أم مثنى أم مجموعاً، وكذلك يقع على «المرصُودِ» . وقوله تعالى:{فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}[الجن: ٢٧] يحتمل كلَّ ذلك؛ وكأنَّهُ في الأصل مصدر، فلذلك التزم فيه الإفرادُ والتذكيرُ.