ومتعلق «الإذن» : القعودُ، أي: ائذن لي في القعود والتخلف عن الغزو، ولا تَفْتِنِّي بخروجي معك. أي: لا تهلكني بخروجي معك، فإنَّ الزمانَ شديد الحرّ، ولا طاقة لي به. وقيل: لا تفتنيِّي؛ لأنِّي إذا خرجت معك هلك مالي وعيالي، وقيل: نزلت في جد بن قيس المنافق وذلك أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لمَّا تجهَّز لغزو تبوك، قال له:«يا أبا وهب، هل كل في جلاد بني الأصفر؟ يعني: الروم - تتخذ منهم سراري ووصفاء» فقال جدُّ: يا رسول الله، لقد عرف قومي أني رجل مغرمٌ بالنِّساءِ، وإنِّي أخشى إن رأيت بنات الأصفر ألَاّ أصبر عنهنَّ، ائذن لي في القعود، ولا تفتنِّي بهنّ، وأعينكم بمالي.
قال ابن عباسٍ:«اعتلَّ جدُّ بن قيس، ولم تكن علته إلا النفاق، فأعرض عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال:
قوله:{أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ} أي: في الشّرك والإثم وقعوا بنفاقهم، وخلافهم أمر الله ورسوله.
وفي مصحف أبي «سَقَطَ» لأنَّ لفظة «مِنْ» موحد اللفظ، مجموع المعنى، وفيه تنبيه على أنَّ مَنْ عصى الله لغرض، فإنَّهُ تعالى يبطل عليه ذلك الغرض؛ لأنَّ القوم لمَّا اختاروا القعود لئلا يقعوا في الفتنة، بيَّن اللهُ تعالى أنهم واقعون ساقطون في عينِ الفتنة - ثم قال {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين} مطبقة عليهم.
قوله:{إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ} نصر وغنيمة «تَسُؤهُمْ» تُحزنهم، يعني المنافقين {وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} نكبة وشدة ومكروه، يفرحوا، و {يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ} أي: حذرنا، «ويتَولَّوا» يدبروا عن مقام التحدث بذلك إلى أهليهم {وَّهُمْ فَرِحُونَ} مسرورون.
ونقل عن ابن عبَّاسٍ «أنَّ الحسنة في يوم بدرٍ، والمصيبة في يوم أحدٍ، فإن ثبت أنَّ المراد هذا بخبر وجب المصير إليه، وإلَاّ فالواجب حمله على كل حسنة، وعلى كل مصيبة» .