فإن قيل: الكافرُ منافق، فكيف يحذرُ نزول الوحي على الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -؟ فالجوابُ، من وجوه:
أحدها: قال أبُو مسلم:» هذا حذر أظهرهُ المنافقون استهزاء حين رأوا الرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - يذكر كلَّ شيء ويدعي أنَّهُ عن الوحي، وكان المنافقُون يكذبون بذلك فيما بينهم، فأخبر الله رسوله بذلك، وأمره أن يعلمهم أنَّه يظهر سرهم الذي حذروا ظهره، ويدلُّ على ذلك قوله: استَهْزئُوا «.
وثانيها: أنَّ القوم وإن كانوا كافرين بدين الرسول إلا أنَّهم شاهدوا أنَّ الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان يخبرهم بما يفسرونه، فلهذه التجربة وقع الحذر والخوف في قلوبهم.
وثالثها: قال الأصمُّ: إنَّهم كانوا يعرفونه كونه رسولاً حقاً من عند الله، إلَاّ أنَّ كفرهم كان حسداً وعناداً.
ورابعها: معنى الحذر الأمر بالحذر، أي: ليحذر المنافقون ذلك.
وخامسها: أنَّهم كانُوا شاكين في صحَّة نبوته، والشَّاك خائف، فلهذا خافوا أن ينزل عليه في أمرهم ما يفضحهم.
قوله:» أَن تُنَزَّلَ «مفعولٌ به، ناصبه» يَحْذَرُ «، فإنَّ» يَحْذَرُ «متعدٍّ بنفسه كقوله تعالى: {وَيُحَذِّرْكُمُ الله نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨] ، لولا أنه متعدِّ في الأصل لواحدٍ، لما اكتسب بالتضعيف مفعولاً ثانياً؛ ويدلُّ عليه أيضاً ما أنشده سيبويه: [الكامل]
٢٨٠٩ - حَذِرٌ أمُوراً لا تَضِيرُ وآمِنٌ ... مَا لَيْسَ مُنْجِيَهُ مِنَ الأقْدَارِ
وفي البيت كلامٌ، قيل: إنه مصنوع. وقال المبردُ: إنَّ» حَذِر «لا يتعدَّى، قال: لأنَّهُ من هيئات النفس، ك» فَزع «. وهذا غير لازم. فإنَّ لنا من هيئات النفس ما هو متعدٍّ ك:» خاف «، وخشي، فإنَّ» تُنَزَّل «عند المبرد على إسقاط الخافض أي: مِنْ أن تُنَزَّل.
وقوله: «تُنَبِّئُهُمْ» في موضع الرفع صفةً ل «سورة» .
قال الزمخشريُّ «الضميرُ في قوله» عليهم «و» تنبّئهم «للمؤمنين، و» في قُلُوبهمْ «للمنافقين، ويجوزُ أيضاً أن تكون الضمائرُ كلها للمنافقين؛ لأنَّ السُّورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم، ومعنى» تُنبِّئُهم بما في قلوبهم «أنَّ السورة كأنَّها تقول لهم في قلوبكم كيت وكيت، يعني أنَّها تذيع أسرارهم إذاعة ظاهرة فكأنَّها تخبرهم بها» .
ثم قال: {قُلِ استهزءوا} هذا أمر تهديد، {إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} .
قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} الآية.