والثاني: أنها حالٌ من «الدَّوائر» قاله أبو البقاءِ وليس بظاهرٍ، وعلى هذا يتعلقُ بمحذوفٍ على ما تقرَّر. و «الدَّوائرِ» جمعُ «دائرةٍ» وهي ما يُحيط بالإنسان من مُصيبة ونكْبَةٍ، تصوُّراً من الدَّائرة المحيطة بالشَّيء من غير انفلاتٍ منها، وأصلها:«دَاوِرَة» ؛ لأنَّها من دَارَ يدُورُ، أي: أحَاطَ، ومعنى «تَربُّص الدَّوائر» أي: انتظار المصائب؛ قال:[الطويل]
قال يمانُ بن رئابٍ:«يعني ينقلبُ الزَّمانُ عليكم فيموت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويظهر المشركون» . قوله:{عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} هذه الجملةُ معترضةٌ بين جمل هذه القصَّةِ، وهي دعاءٌ على الأعراب المتقدمين، وقرأ ابنُ كثير وأبو عمرو هنا:«السُّوءِ» ، وكذا الثانية في الفتحِ بالضَّم والباقون بالفتحِ.
وأمَّا الأولى في الفتح، وهي «ظنَّ السوءِ» .
فاتفق على فتحها السبعةُ. فأمَّا المفتوح فقيل: هو مصدر.
قال الفرَّاءُ:«فتحُ السِّين هو الوجه؛ لأنَّه مصدرٌ يقالُ: سُؤتُه سَوْءاً، ومَساءةٌ، وسَوائِيَةٌ، ومَسَائِيَةٌ، وبالضَّم الاسم، كقولك: عليهم دائرةُ البلاءِ والعذاب» .
قال أبُو البقاء:«وهو الضَّرَرُ، وهو مصدر في الحقيقة» . يعني أنَّه في الأصل كالمفتوح، في أنَّهُ مصدرٌ، ثُمَّ أطلقَ على كل ضررٍ وشرٍّ. وقال مكي:«مَنْ فتح السِّين فمعناه الفساد والرَّداءة، ومنْ ضمَّها فمعناه الهزيمةُ والبلاءُ والضَّرر» . وظاهرُ هذا أنَّهما اسمان لما ذكر. ويحتملُ أن يكونا في الأصل مصدراً ثم أطلقا على ما ذكر. وقال غيره: المضمومُ العذاب والضرر، والمفتوح: الذم، ألا ترى أنَّه أجمع على فتح {ظَنَّ السوء}[الفتح: ٦] وقوله: {مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ}[مريم: ٢٨] ، إذ لا يليقُ ذكرُ العذاب بهذين الموضعين. وقال الزمخشري فأحسن:«المضمومُ: العذاب، والمفتوحُ ذمٌّ ل» دائرة «كقولك: رجُل سوءٍ، في نقيض رجل عدل؛ لأنَّ منْ دَارتْ عليه يذُمُّهَا» . يعني أنَّها من باب إضافة الموصوف إلى صفته، فوصفت في الأصل بالمصدر مبالغةً، ثم أضيفَتْ لصفتها، كقوله تعالى: