أظهرهما: أنها صفةٌ على فاعلة، ك «قائمة» . وقال الفارسيُّ:«يجوز أن تكون مصدراً كالعافية، ولو لم تضف الدائرة إلى السوء، أو السوء لما عرف منها معنى السُّوء؛ لأنَّ دائرة الدَّهر لا تستعملُ إلَاّ في المكروهِ، والمعنى: يدور عليهم البلاءُ والحزنُ، فلا يرون في محمد، ودينه إلَاّ ما يَسُوؤهم» . ثم قال:{والله سَمِيعٌ} لقولهم، {عَلِيمٌ} بنيَّاتهم.
لمَّا بيَّن أنَّ في الأعرابِ من يتخذ إنفاقه في سبيل الله مَغْرَماً، بيَّن هنا أنَّ منهم أيضاً من يؤمن بالله واليوم الآخر. قال مجاهدٌ: هم بنو مقرن من مزينة. وقال الكلبيُّ هم أسلم، وغفار، وجهينة. وروى أبو هريرة قال: قال رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لأسْلمُ وغفارٌ، وشيءٌ مِنْ مُزَيْنَة وجُهَيْنةَ، خَيْرٌ عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنْ أسَدٍ وغطفان وهوَازنَ وتَميمٍ» .
قوله:{وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ} ف «قُرُباتٍ» مفعولٌ ثانٍ ل «يتَّخذَ» كما مرَّ في {مَغْرَماً}[التوبة: ٩٨] ولم يختلف قُرَّاء السبعة في ضمِّ الرَّاء من «قُربَات» ، مع اختلافهم في راء «قُرْبة» كما سيأتي، فيحتملُ أن تكون هذه جمعاً ل «قُرْبة» بالضَّم، كما هي قراءة ورشٍ عن نافعٍ، ويحتملُ أن تكون جمعاً للساكنها، وإنَّما ضُمَّت إتباعاً، ك «غُرُفَات» ، وقد تقدَّم التَّنبيه على هذه القاعدة، وشروطها عند قوله:{فِي ظُلُمَاتٍ}[البقرة: ١٧] أول البقرة.
قال الزجاجُ: يجوزُ في «القُرُبَات» أوجه ثلاثة، ضم الراء، وإسكانها، وفتحها.
والمعنى: أنَّهم يتخذون ما ينفقونه سبباً لحصول القربات عند اللهِ.
قوله:«عِندَ الله» في هذا الظرف ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنَّه متعلقٌ ب «يتَّخذ» والثاني: أنَّهُ ظرف ل «قُرُبات» ، قاله أبو البقاءِ. وليس بذلك.
الثالث: أنه متعلقٌ بمحذُوفٍ، لأنَّه صفةٌ ل «قربات» . قوله:{وَصَلَوَاتِ الرسول} فيها وجهان: