ابنُ أبي سعيد، وعيسى الكوفيُّ، وطلحة، ويعقوب «والأنصارُ» برفعها، وفيها وجهان:
أحدهما: أنَّه مبتدأ، وخبره «رضِيَ الله عنهُم» . والثاني: عطفه على «السَّابقُون» ، وقد تقدَّم ما فيه، فيُحكم عليه بحكمه.
قوله:«بإِحْسانٍ» متعلقٌ بمحذوف، لأنَّه حالٌ من فاعل «اتَّبَعُوهُم» . وكان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - يرى أن الواو ساقطة من قوله:«والذين اتبعوهم» ويقول: إنَّ الموصول صفةٌ لمن قبله، حتى قال له زيدُ بنُ ثابتٍ: إنَّها بالواو، فقال: ائتوني بأبيّ، فأتوه به، فقال له: تصديق ذلك في كتاب اللهِ في أول الجمعة {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ}[الجمعة: ٢] ، وأوسط الحشر {والذين جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ}[الحشر: ١٠] وآخر الأنفال {والذين آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ}[الأنفال: ٧٥] . وروي أنَّهُ سمع رجلاً يقرؤها بالواو، فقال: من أقْرأكَ؟ فقال: أبيّ، فدعاه، فقال: أقرأنيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإنَّك لتبيع القرظ بالبقيع، قال: صَدقْتَ، وإن شئت قل: شهدنَا وغبْتُم، ونصَرْنَا وخذلْتُم، وآوَيْنَا وطَرَدْتم، ومن ثمَّ عمرُ: لقد كنتُ أرانا رُفِعْنَا رفعة، لا يبلغُها أحدٌ بعدنا.
فصل
لمَّا ذكر فضائل الأعراب الذين يتَّخذُونَ ما ينفقُون قربات عند الله، وما أعد لهم، بين أنَّ فوق منزلتهم منازل أعلَى وأعظم منها، وهي منازلُ السَّابقين الأولين. واختلفوا فيهم، فقال ابنُ عبَّاس، وسعيدُ بنُ المسيب، وقتادة، وابن سيرين، وجماعة: هم الذين صلُّوا إلى القبلتين، وقال عطاءُ بن أبي رباح: هم الذين شهدوا معه بيعة الرضوان، وكانت بيعة الرضوان بالحديبية. وقال أبو مسلم: من تقدم موته بعد الإسلام من الشهداء وغيرهم. وقال ابنُ الخطيبِ:«والصحيحُ عندي أنَّهم السَّابقون في الهجرة، والنصرة، لكونه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصاراً» . واختلفوا هل يتناولُ جميع الصحابة الذين سبقوا إلى الهجرة، والنصرة أم يتناول بعضهم؟ فقال قومٌ: إنَّه يتناول الذين سبقوا في الهجرة والنصرة وعلى هذا، فلا يتناول إلا قدماء الصحابة، لأنَّ كلمة «مِنْ» للتَّبعيض.