ومنهم من قال: بل يتناولُ جميع الصحابةِ؛ لأنَّ جملة الصَّحابة موصوفون بكونهم سابقين أولين بالنسبة إلى سائر المسلمين، وكلمة «مِنْ» في قوله «مِنَ المُهاجرينَ والأنصَارِ» ليست للتَّبعيض، بل للتبيين، كقوله:{فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان}[الحج: ٣٠] ، وذهب إلى هذا كثيرٌ من النَّاس.
روى حميدُ بن زيادٍ أنَّهُ قال: قلت يوماً لمحمَّدِ بن كعب القرظيِّ: ألا تُخْبرني عن أصحاب الرسول فيما كان بينه؟ وأردت الفتن، فقال: إنَّ الله قد غفر لجميعهم، وأوجب لهم الجنَّة في كتابه، محسنهم ومسيئهم، قلت له: وفي أيّ موضع أوجب لهم الجنّة؟ قال: سبحان الله! ألا تقرأ قوله: {والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار}[التوبة: ١٠٠] إلى آخر الآية؟ فأوجب الله لجميع أصحاب النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - الجنَّة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً، قلت: وما ذاك الشَّرط؟ فقال: شرط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، وهو أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدوا بهم في غير ذلك، أو يقال: المرادُ أن يتبعوهم بإحسان في القول، وهو ألَاّ يقولوا فيهم سوءاً، وألَاّ يوجهوا الطَّعْنَ فيما أقدموا عليه. قال حميدُ بن زياد: فكأنِّي ما قرأتُ هذه الآية قط، قال أبو منصور البغداديُّ التميمي: أصحابنا مجمعون على أنَّ أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة، ثم البدريُّون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية.
فصل
واختلفوا في أول من آمن برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد امرأته خديجة مع اتفاقهم على أنَّها أوَّلُ من آمن برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال جابر: أوَّل من أسلم وصلَّى عليُّ بن أبي طالبٍ. قال مجاهدٌ وابن إسحاق: أسلم وهو ابن عشر سنين. وقال ابنُ عباسٍ، وإبراهيم النخعي، والشعبي: أوَّلُ من آمن بعد خديجة أبو بكر الصديق. وقال الزهريُّ وعروة بنُ الزُّبير: أوَّلُ من أسلم زيدُ بن حارثة.
وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بجمع بين هذه الأخبار فيقول:«أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن النساءِ خديجة ومن الصِّبيان عليّ، ومن العبيد زيد بن حارثة» . قال ابن إسحاق: لمَّا أسلم أبُو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان رجُلاً محسناً سَهْلاً، وكان تَاجِراً، ذا خُلِقٍ، وكان رجال قومه يأتُونهُ ويألفونهُ، لعلمه وحُسن مجالسته. فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه فأسلم على يده فيما بلغني عثمان والزبيرُ بنُ العوام وعبدُ الرحمن بن عوفٍ وسعدُ