وأما قولهم: لأنه ذكرهم في مقابلة النساء ففيه جوابان:
الأول: أن الأبناء لما قتلوا حَالَ الطفولة لم يصيروا رجالاً، لم يجز إطلاق اسم الرجال عليهم.
أما البنات لما لم يُقْتَلْنَ، بل وصلن إلى حَدّ النساء جاز الإطلاق اسم النساء عليهن اعتباراً بالمآل.
الثانيك قال بعضهم: المراد بقوله: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ} أي يُفَتِّشُون حيء المرأة أي: فَرْجَهَا هل بها حمل أم لا؟
فصل في السبب الباعث على تقتيل الأبناء
ذكروا في سبب قَتْلِ الأبناء وجوهاً:
أحدها: قال ابن عباس: وقع إلى فرعون وطبقته ما كان الله وعد به إبراهيم أنيجعل في ذرّيته أنبياء وملوكاً فخافوا ذلك، واتفقت كلمتهم على إعدد رِجَالٍ يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولوداً ذكراً إلا ذَبَحُوهُ فلما رأوا أكابرهم يموتون، وصغارهم يذبحون خافوا الفَنَاءَ فلا يجدون من يُبَاشر الأعمال الشّاقة، فصاروا يقتلون عاماً دون عام.
وثانيها: قال السُّدي: إن فرعون رأى ناراً أقبلت من بيت المَقْدِسِ حتى اشتملت على بيوت «مصر» ، فأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل فدعا فرعون الكَهَنَةَ، وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: يخرج من بيت المقدس من يكون هلاك القِبْطِ على يديه.
وثالثها: أن المنجّمين أخبروا فرعون بذلك.
قال ابن الخطيب: والأقرب هو الأول؛ لأن الذي يُسْتَفَاد من علم التعبير، وعلم النجوم لا يكون أمراً مفصلاً، وإلا قدح ذلك في كون الإخبار عن الغَيْبِ معجزاً، بل يكون أمراً مجملاً، والظاهر من حال العاقل ألَاّ يقدم على مثل هذا الأمر العظيم بسببه.
فإن قيل: إنَّ فرعون كان كافراً بالله فبأن يكون كافراً بالرسل أولى، وإذا كان كذلك فكيف يمكن أن يقدم على هذا الأمر العظيم بسبب إخبار إبْرَاهِيمَ عليه الصَّلاة والسلام عنه؟
فالجواب: لعلّ فرعون كان عارفاً بالله، وبصدق الأنبياء إلَاّ أنه كان كافراً كفر عِنَادٍ أو يقال: إنه كان شاكًّا متحيراً في دينه، وكان يجوِّز صدق إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فأقدم على ذلك الفعل احتياطاً.