والثاني: أنَّ من النَّاس من حمل قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} على صلاة الجنازة لا على هذا الطريق، قالوا: ويدل عليه قوله: {وَلَا تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً}[التوبة: ٨٤] .
فصل
اختلفوا في السَّببِ الذي تبيَّن إبراهيم به أنَّ أباهُ عَدُوّ للهِ. فقيل: بالإصْرارِ والموت وقيل: بالإصْرارِ وحده. وقيل: بالوحي. فكأنه تعالى يقولُ: لمَّا تبيَّن لإبراهيم أنَّ أباهُ عدو لله تبَّرأ منه؛ فكونوا كذلك، لأنِّي أمرتكم بمتابعة إبراهيم في قوله:{اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}[النحل: ١٢٣] . قوله:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} . الأوَّاهُ: الكثيرُ التأوه، وهو من يقولُ: أوَّاه، وقيل: من يقولُ: أوَّهْ، وهو أنْسَبُ؛ لأنَّ «أوه» بمعنى: أتوجع، ف «الأوَّاهُ» : فعَّال مثالُ مبالغة من ذلك، وقياسُ فعله أن يكون ثلاثياً؛ لأنَّ أمثله المبالغة إنَّما تطَّرد في الثُّلاثي وقد حكى قطربٌ فعله ثلاثياً، فقال: يقال: آهَ يَئُوهُ، ك «قَامَ يقُومُ،» أوْهاً «.
وأنكر النحويون هذا القول على قطرب، وقالوا: لا يقال من» أوَّهْ «بمعنى: أتوَجَّعُ، فعلٌ ثلاثي، إنما يقال: أوَّه تأويهاً، وتأوَّه تأوهاً؛ قال الراجز:[الرجز]
٢٨٥٠ - فَأوَّهَ الرَّاعِي وضَوْضَى أكْلُبُهْ ... وقال المثقبُ العَبْدِيُّ:[الوافر]
وقال الزمخشريُّ:» أوَّاه: فعَّال، مِنْ أوَّهْ، ك:«لئَّالٍ» من اللُّؤلؤ، وهو الذي يكثر التَّأوُّه «.
قال أبُو حيان» وتشبيه «أوَّاه» مِنْ «أوَّهْ» ك «لَئّال» من اللؤلؤ ليس بجيدٍ؛ لأنَّ مادة «أوَّهْ» موجودةٌ في صورة «أوَّاه» ، ومادة «لؤلؤ» مفقودةٌ في «لَئّال» ؛ لاختلاف التركيب إذ «لَئّال» ثلاثي، و «لؤلؤ» رباعيّ، وشرط الاشتقاق التوافق في الحروف الأصلية «.
قال شهابُ الدِّين:» لَئّال «، و» لؤلؤ «كلاهما من الرُّباعي المكرر، أي: إنَّ الأصل لام وهمزة ثم كرَّرْنا، غاية ما في الباب أنَّهُ اجتمع الهمزتان في» لَئّال «فأدغمت أولاهما في الأخرى، وفُرق بينهما في» لؤلؤ «وقال ابن الأثير في قوله عليه السلام:» أوْه عن الرِّبا «كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجُّع وهي ساكنة الواو ومكسورة الهاء، وربَّما