عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - في قدر تحصيل الآلات، فلما بقوا مدة ظهر التواني والكسل، فصح أن يقال: خلفهم الرسول.
وقيل: إنه حكى قصة أقوام وهم المرادون بقوله {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله}[التوبة: ١٠٦] والمرادُ من كون هؤلاء مخلفين كونهم مؤخرين في قبول التوبة. قال كعبُ بنُ مالكٍ، وهو أحد الثلاثةِ: قول الله في حقنا {وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ} ليس من تخلفنا إنَّما هو تأخيرُ رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أمرنا؛ يشير إلى قوله:{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله}[التوبة: ١٠٦]
فصل
هؤلاء الثلاثةُ هم: كعب بنُ مالكٍ الشَّاعر، وهلالُ بنُ أميَّة الذي نزلت فيه آية اللعان، ومُرارةُ بنُ الرَّبيع.
وفي قصتهم قولان:
الأولُ: أنَّهم ذهبوا خلف الرَّسولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، قال الحسنُ: كان لأحدهم أرضٌ ثمنها مائة ألف درهم فقال: يا أرضاهُ ما خلَّفني عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلَاّ أمرك؛ فاذهبي في سبيل الله، فلأكابدن المفاوز حتى أصل إلى رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفعل، وكان للثاني أهلٌ فقال: يا أهلاهُ ما خلَّفني عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلا أمرك؛ فلأكابدن المفاوز حتَّى أصل إليه وفعل. والثالث: ما كان ذا مال ولا أهل فقال: ما لي سبب إلا الضَّن بالحياةِ، والله لأكابدن المفاوز حتى أصل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ فلحقوا برسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فنزل قوله
والثاني - وهو قول الأكثرين -: أنهم ما ذهبوا خلف الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - قال كعبٌ:«كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحب حديثي، فلما أبطأت عليه في الخروج قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: ما الذي حبس كعباً فلمَّا قدم المدينة اعتذر المنافقون فعذرهم، وأتيته فقلتُ: إن كراعي، وزادي كان حاضراً، واحتبست بذنبي، فاستغفر لي فأبى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذلك، ثمَّ إنَّه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - نهى عن مجالسة هؤلاء الثلاثة، وأمر بمباينتهم، حتى أمر بذلك نساءهم؛ فضاقت عليهم الأرضُ بما رحبتْ وجاءت امرأة هلال بن أميَّة وقالت: يا رسول الله لقد بكى، حتَّى خفتُ على بصره، حتَّى إذا مضى خمسون يوماً أنزل الله تعالى:{لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين}[التوبة: ١١٧] وقوله: {وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ} فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى حجرته، وهو عند أمِّ سلمة فقال: اللهُ أكبرُ؛ قد أنزلَ اللهُ عُذْرَ أصحَابِنَا» فلمَّا صلَّى الفَجْرَ ذكر ذلك لأصحابه، وبشرهم بأنَّ الله تاب عليهم؛ فانطلقُوا إلى رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فتلا عليهم ما نزل فيهم فقال كعبٌ: توبتي إلى الله تعالى أن أخرج مالي صدقة فقال: «لا» فقلتُ: نصفه، قال:«لا» ، قلت: فثلثه، قال:«نعم» .