للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل

معنى: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ} تقدَّم تفسيره في هذه السُّورةِ وسببه: إعراض الرسول عنهم، ومنع المؤمنين من مكالمتهم، وأمر أزواجهم باعتزالهم، وبقائهم على ذهه الحالة خمسين يوماً، وقيل: أكثر حتَّى ضاقت عليهم أنفسهم، أي: ضاقت صدورهم بالغمِّ والهمِّ، ومجانية الأولياء، ونظر الَّاس إليهم بعين الإهانةِ، و «ظَنُّوا» أي: استيقنوا «أن لا مَلْجَأ» لا مفزع من الله إلا إليه.

قال ابنُ الخطيبِ: يقرب معناه من قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «أعوذُ برضَاكَ مِنْ سُخْطكَ وأعُوذُ بعَفوكَ مِنْ غضبِك، وأعوذُ بكَ مِنْكَ» .

قوله: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا} فيه وجوه:

أحدها: قال أهلُ السُّنَّةِ: المرادُ منه أنَّ فعل العبد مخلوقٌ لله تعالى، فقوله: «تَابَ عليْهِمْ» يدلُّ على أنَّ التوبة فعل الله وقوله: «لِيتُوبُوا» يدلُّ على أنَّها فعل العبدِ؛ فهو نظير قوله: {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً} [التوبة: ٨٢] مع قوله {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ} [النجم: ٤٣] وقوله {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ} [الأنفال: ٥] مع قوله {إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ} [التوبة: ٤٠] وقوله {هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ} [يونس: ٢٢] مع قوله: {قُلْ سِيرُواْ} [الأنعام: ١١] .

وثانياً: تاب عليهم في الماضي ليكون داعياً لهم إلى التوبة في المستقبل.

وثالثها: أصلُ التوبة الرُّجوع أي: تاب عليهم؛ ليرجعوا إلى حالهم وعادتهم في الاختلاط بالمؤمنين، وزوال المباينة فتسكن نفوسهم عند ذلك.

ورابعها: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا} أي: ليداوموا على التوبةِ ولا يراجعوا ما يبطلها.

وخامسها: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} لينتفعوا بالتوبة {إِنَّ الله هُوَ التواب الرحيم} .

واعلم أنَّ ذكر «الرَّحيم» عقب ذكر «التَّواب» يدلُّ على أنَّ قبول التوبةِ لمحض الرحمة والكرم، لا لأجل الوجوب، كما تقولُ المعتزلةُ، وذلك يقوي أنَّهُ لا يجبُ عقلاً على الله قبول قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله} الآية.

لمَّا قبل توبة هؤلاء الثلاثة، ذكر ما يكون كالزَّاجر عن فعل مثل ما مضى، وهو التخلف عن رسول الله في الجهاد، أي: اتَّقُوا الله في مخالفة أمر الرسُول {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} أي: مع النبي وأصحابه في الغزوات، ولا تتخلَّفُوا عنها، وتجلسوا مع المنافقين في البيوتِ.

قال نافعٌ: «مَعَ الصادقين» أي: مع محمد. وقال سعيدُ بن جبيرٍ: مع أبي بكر وعمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>