الرِّقة، وفائدتها أنها أقوى تأثيراً في الزَّجْرِ، والمنع عن القبيح، وهذا غيرُ مطَّرد، بل يحتاجُ تارة إلى الرِّفْقِ واللُّطفِ، وتارة إلى العنف، ولهذا قال:{وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} تنبيهاً على أنه لا يجوز الاقتصار على الغلظة ألبتة فإنَّه ينفرُ ويوجب تفرق القوم، فقوله:{وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} يدلُّ على تقليل الغلظة، كأنَّهُ قيل لا بد وأن يكونوا بحيثُ لو فتَّشُوا عن أخلاقكم، وطبائعكم لوجدوا فيكم غلظة، وهذا الكلامُ إنَّما يصحُّ فيمن أكثر أحواله الرحمة والرأفة؛ فلا يخلو عن نوع غلظة. وهذه الغلظةُ إنَّما تعتبرُ فيما يتعلَّق بالدَّعوة إلى الدِّين، إمَّا بإقامة الحُجَّةِ، وإمَّا بالقتال فأمَّا فيما يتعلقُ بالبيع، والشراء، ونحوه فلا.
ثم قال {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} أي: بالفوز والنصر، ويكون إقدامه على القتال بسبب تقوى الله لا بسبب طلب المال والجاه.
قوله تعالى {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ} الآية.
لمَّا ذكر مخازي المنافقين وأعمالهم القبيحة قال:{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ}«ما» صلة مؤكدة «فَمِنْهُم» أي: من المنافقين: «مَنْ يقُولُ» قيل: يقولُ بعضهم لبعض، ليثبتوهم على النِّفاقِ وقيل: يقولونه لعوام المسلمين، ليصرفوهم عن الإيمان، وقيل: يقولون ذلك على سبيل الهزؤ.
قوله:«أيُّكُمْ» الجمهور على رفع «أيُّكُمْ» بالابتداءِ، وما بعده الخبر. وقرأ زيدُ بنُ عليّ وعبيد بن عمير بالنصب، على الاشتغال، ولكن يُقدَّر الفعل. متأخراً عنه من أجلِ أنَّ لهُ صدر الكلام.
والنَّصب عند الأخفش في هذا النحو أحسنُ من الرفع؛ لأنَّهُ يجري اسم الاستفهام مجرى الأسماء المسبوقةِ بأداة الاستفهام، نحو: أزيداً ضربته، في ترجيح إضمار الفعلِ.
قوله:{فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} أي: يقيناً وتصديقاً؛ لأنَّهُم يقرُّون بها ويعترفون بأنَّها حقٌّ من عند الله، وتقدم الكلامُ في زيادة الإيمان، ونقصانه في أول سورة الأنفال [الأنفال: ٢] ثم قال: {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} أي: يفرحون بنزول القرآن، وقيل: بثوابِ الآخرة، وقيل: بالنَّصر والظفر. والاستبشار: استدعاء البشارة؛ لأنَّهُ كُلَّما يذكر النعمة حصلت البشارة فهو بالتذكر يطلب تجدُّد البشارة، ثم جمع للمنافقين أمرين مقابلين للمذكورين في المؤمنين.
فقال:{وَأَمَّا الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي: شكٌّ ونفاق: {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ} والمرادُ بالرِّجْسِ: إمَّا العقائد الباطلةُ، وإما الأخلاقُ المذمومة، فعلى الأول يكون المعنى: كانوا مكذبين بالسُّورِ النَّازلة قبل ذلك، والآن صاروا مكذِّبين بهذه السُّورة الجديدة، فقد انضمَّ كفرٌ إلى كفرٍ.