للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وعلى كلا التقديرين فهي فاعل ب «عَزِيز» ، أي: يعزُّ عليه عنتُكم، أو الذي عنتُّمُوهُ، أي: عنتُهم يُسيئه، فحذف العائد على التدرج؛ وهذا كقوله: [الوافر]

٢٨٦١ - يَسُرُّ المَرْء ما ذهبَ اللَّيَالِي ... وكانَ ذهَابُهُنَّ لهُ ذَهَابَا

أي: يَسُرُّه ذهاب الليالي. ويجوز أن يكون «عزيزٌ» خبراً مقدماً، و «مَا عَنتُّمْ» مبتدأ مؤخراً والجملةُ صفة ل «رسُول» وجوَّزَ الحوفي: أن يكون «عزيزٌ» مبتدأ، و «ما عنتم» خبره وفيه الابتداء بالنَّكرةِ؛ لأجْلِ عملها في الجارِّ بعدها. وتقدَّم معنى {العنت} [النساء: ٢٥] . والأرجح أن يكون «عَزيزٌ» صفة ل «رسُولٌ» لقوله بعد ذلك «حَرِيصٌ» فلم يجعل خبراً لغيره وادِّعاءُ كونه خبر مبتدأ مضمر، أي: هو حريصٌ، لا حاجة إليه. قال الفرَّاءُ: «ما» في قوله: «مَا عنِتُّم» في موضع رفع، أي: عزيز عليه عنتكم، أي: يشقُّ عليه مكروهكم. وقال القتيبيُّ: ما أعنتكم وضركم. وقال ابن عباس: ما ضللتم. وقال الضحاكُ والكلبيُّ: ما آثمكم.

والصفة الثالثة: قوله: «حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ» والحريص يمتنع أن يكون متعلقاً بذواتهم، بل المراد حريص على إيصال الخيراتِ إليكم في الدُّنيا والآخرة، وعلى هذا التقدير يكونُ قوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي: شديد معزَّته عن وصول شيء من آفات الدنيا والآخرة إليكم؛ لأنَّ العزيز هو الغالب الشَّديد، وبهذا التقدير لا يحصلُ التَّكرار.

والصفة الرابعة والخامسة قوله: {بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} «بالمُؤمنينَ» متعلقٌ ب «رَءُوفٌ» ولا يجوز أن تكون المسألةُ من التنازع؛ لأنَّ شرطه تأخُّر المعمول عن العاملين، وإن كان بعضهم قد خالف، ويجيزُ: زيداً ضربتُ وشتمته، على التَّنازع.

وإذا فرَّعنا على هذا الضعيف، فيكون من إعمال الثاني، لا الأول، لما عُرف أنَّهُ متى أعمل الأوَّلُ أضمر في الثاني من غير حذف.

فصل

قال ابن عباس: سمَّاه الله تعالى ههنا باسمين من أسمائه. والمعنى: رءوفٌ بالمطيعين.

فإن قيل: كيف يكون كذلك، وقد كلَّفهم في هذه السُّورة بأنواعٍ من التَّكاليفِ الشَّاقَّة التي لا يقدرُ على تحملها إلا من وفقه الله تعالى.

فالجوابُ: قد ضربنا لهذا المعنى مثل الطبيب الحاذق، والأدب المشفق، والمعنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>