بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} [النور: ٤٠] ، تقديره: أو كذي ظُلُمات، وعلى هذا فليس من الالتفات في شيءٍ.
وقال أبو حيَّان:«والذي يظهر أنَّ حكمةَ الالتفاتِ هنا: هي أنَّ قوله {هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ} خطابٌ فيه امتنانٌ، وإظهارُ نعمةٍ للمخاطبين، والمُسَيَّرون في البَرِّ والبَحْر مؤمنون وكُفَّار، والخطابُ شاملٌ، فحسُنَ خطابُهُم بذلك، ليستديمَ الصَّالحُ على الشُّكْر، ولعلَّ الطَّالحَ يتذكَّرُ هذه النّعْمَة.
ولمَّا كان في آخر الآية ما يقتضي أنَّهم إذا نجوا بغَوا في الأرض، عدلَ عن خطابهم بذلك إلى الغَيْبة؛ لئلَاّ يخاطب المؤمنين بما لا يليقُ صُدُورُه منهم، وهو البغيُ بغير الحقِّ» .
قوله:«بريحٍ» متعلِّقٌ ب «جَرَيْنَ» ، فيقال: كيف يتعدَّى فعلٌ واحدٌ، إلى معمولين بحرف جرٍّ متحدٍ لفظاً ومعنًى؟ فالجوابُ: أنَّ الياءَ الأولى للتَّعدية، كهي في «مَرَرْتُ بزَيْدٍ» ، والثانية للحالِ، فتتعلق بمحذُوف، والتقدير: جريْنَ بهم مُلتبسةً بريحٍ، فتكونُ الحالُ من ضميرِ الفُلْكِ.
قوله:«وَفَرِحُواْ بِهَا» يجُوزُ أن تكون هذه الجملةُ نسقاً على «جَرَيْنَ» ، وأن تكُون حالاً، و «قد» معها مُضْمَرةٌ عند بعضهم، أي: وقد فَرِحَوا، وصاحبُ الحَالِ الضَّمير في «بِهِمْ» .
قوله:«جَآءَتْهَا» الظَّاهرُ أنَّ هذه الجملة الفعليَّة جواب «إِذَا» ، وأنَّ الضمير في «جَاءَتْهَا» ضميرُ الرِّيح الطيِّبة، أي: جاءتِ الريحَ الطَّيبةَ ريحٌ عاصفٌ، أي: خَلَفْتْهَا، وبهذا بدأ الزمخشري، وسبقه إليه الفرَّاء وجوَّز أن يكون الضميرُ للفلك، ورجَّح هذا بأنَّ الفلك هو المُحَدَّث عنه.
قوله:«وظَنُّوا» يجُوزُ أن يكون معطوفاً على «جَاءَتْهَا» ، الذي هو جوابُ «إذَا» ، ويجوز أن يكون معطوفاً على «كُنتُمْ» ، وهو قولُ الطبري؛ ولذلك قال: وظَنُّوا جوابه «دعوُا الله» .
قال أبو حيَّان:«ظاهرُه العطفُ على جواب» إذَا «، لا أنَّه معطوفٌ على كُنتُمْ، لكنَّه محتمل، كما تقول:» إذا زَارك فلان أكرمهُ، وجاءكَ خالدٌ فأحسن إليه «، وكأنَّ أداةَ الشَّرطِ مذكورةٌ» .
وقرأ زيد بن علي:«حِيطَ» ثلاثيّاً.
قوله:«دَعَوُاْ الله» قال أبو البقاء: «هو جوابُ ما اشتمل عليه المعنى من معنى الشَّرطِ، تقديره: لمَّا ظنُّوا أنَّهُم أحيط بهم دعوُا الله» ، وهذا كلامٌ فارغٌ، وقال الزمخشري:«هي بدلٌ من» ظَنُّوا «؛ لأنَّ دعاءهم من لوازم ظنِّهم الهلاكَ، فهو مُتلبسٌ به» ،