للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ونقل أبو حيَّان عن شيخه أبي جعفر: «أنَّه جوابٌ لسُؤال مقدَّر، كأنَّه قيل: فماذا كان حالهم إذ ذاك؟ فقيل: دَعَوا الله» ، وهذا نقله ابنُ الخطيب عن بعضهم، و «مُخْلِصينَ» حال، و «لَهُ» متعلِّقٌ به، و «الدِّينَ» مفعوله.

قوله: «لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا» : اللَاّمُ: موطئةٌ للقسم المحذوف، و «لنَكُونَنَّ» : جوابه، والقسمُ وجوابُهُ: في محلِّ نصب بقول مقدَّر، وذلك القولُ المقدَّر: في محلِّ نصبٍ على الحالِ، والتقديرُ: دعوا قائلين: لَئِن أنْجَيتنَا من هذه لنكُوننَّ، ويجوزُ أن يجرى «دعَوا» مجرى «قالُوا» لأنَّ الدُّعَاء والقول بمعنى؛ إذ هو نوعٌ من أنواعه، وهو مذهبٌ كوفيٌّ.

قوله: «إِذَا هُمْ يَبْغُونَ» : جوابُ «لمَّا» ، وهي «إذَا» الفُجائيَّة، وقوله: «بِغَيْرِ الحق» : حالٌ، أي: ملتبسين بغير الحقِّ، قال الزمخشري: «فإن قلت: ما معنى قوله:» بِغَيْرِ الحقِّ «والبغيُ لا يكون بحقٍّ؟ قلت: بلى، وهو استيلاءُ المسلمين على أرض الكُفَّار، وهدْمُ دُورهم، وإحراقُ زُرُوعهم، وقطع أشجارهم، كما فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ببني قريظة» ، وكان قد فسَّر البغي بالفساد، والإمعان فيه، مِن «بَغَى الجرحُ: إذا ترامى للفساد» .

ولذلك قال الزجاج: «إنّه الترقِّي في الفساد» ، وقال الأصمعي أيضاً: «بَغَى الجرحُ: ترقَّى إلى الفساد، وبغتِ المرأةُ: فجرت» .

قال أبو حيَّان: «ولا يصِحُّ أن يقال في المسلمين، إنَّهُم باغُون على الكفرة، إلَاّ إن ذكر أنَّ أصل البغي، هو الطلبُ مطلقاً، ولا يتضمَّن الفساد، فيحينئذٍ ينقسم إلى: طلبٍ بحقٍّ، وطلبٍ بغير حقٍّ» .

قال الواحدي: «وأصلُ البغي: الطلب» ، وقد تقدم أنَّ هذه الآي، ترُدُّ على الفارسي، أنَّ «لمَّا» ظرف بمعنى «حين» ؛ لأنَّ ما بعد «إذَا» الفُجائيَّة، لا يعمل فيما قبلها، وإذا قد فرض كون «لمَّا» ظرفاً لزم أن يكون لها عاملٌ «.

فصل

دلَّت هذه الآية: على أن فعل العبد خلق لله - تعالى -؛ لأنَّه قال:» يُسَيِّركُمْ «، وقال: {قُلْ سِيرُواْ} [الأنعام: ١١] وهذا يدل على أن سيرهم منهم، ومن الله، فيكون كسباً لهم وخلقاً لله. ونظيره قوله - تعالى -: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق} [الأنفال: ٥] وقال في آيةٍ أخرى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ} [التوبة: ٤٠] ، وقوله {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى} [النجم: ٤٣] ، مع قوله: {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً} [التوبة: ٨٢] ، قال القفال:» هو الذي يسيركم في البرِّ والبحْرِ؛ أي: هو الهادي لكم إلى السَّيْرِ في البحر والبر، طلباً للمعاش، وهو المسير لكم؛ لأنَّه هيَّأ لكم أسباب ذلك السَّيْر «، والجواب: لا شك أنَّ المسيِّر في

<<  <  ج: ص:  >  >>