للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أضمر في الأول وحذفه؛ لأنَّ إبقاءه مخصوصٌ بالضَّرورة، أو جائزُ الذِّكْرِ على قلَّةٍ عند آخرين، ولو أعمل الأول، لأضمر في الثاني إذ الحذف منهُ لا يكونُ إلَاّ في ضرورة، أو في قليلٍ من الكلام.

ومعنى الكلام: قل لهم يا محمد: أخبروني عن عذاب الله، إن أتاكم أيُّ شيءٍ تستعجلون منه، وليس شيءٌ من العذاب يستعجل به؛ لمرارته، وشدَّة إصابته، فهو مُقْتَضٍ لنُفُورِ الطبع منه.

قال الزمخشري: «فإن قلت: بم يتعلَّق الاستفهامُ، وأين جوابُ الشَّرط؟ قلت: تعلَّق ب» أرَأيْتُمْ «لأنَّ المعنى: أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون، وجوابُ الشَّرط محذوفٌ، وهو: تندمُوا على الاستعجَال، أو تعرفُوا الخطأ فيه» .

قال أبو حيَّان: «وما قدَّره غيرُ سائغ؛ لأنَّه لا يقدَّر الجوابُ إلَاّ ممَّا تقدَّمه لفظاً أو تقديراً، تقول:» أنت ظالمٌ إن فعلت «التقدير: إن فعلت، فأنت ظالمٌ، وكذلك {وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ} [البقرة: ٧٠] التقدير: إن شاء الله نَهْتَدِ، فالذي يُسَوِّغ أن يقدر: إن أتاكم عذابه، فأخبروني ماذا يستعجلُ منهُ المجرمُونَ.

وقال الزمخشريُّ أيضاً:» ويجوز أن يكون {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون} جواباً للشرط كقولك: إن أتيتُك ما تُطْعمني؟ ثم تتعلَّق الجملةُ ب «أرأيْتُمْ» ، وأن يكون «أثمَّ إذا ما وقع آمنتُم به» جواباً للشَّرْطِ، و {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون} اعتراضاً، والمعنى: إن أتاكم عذابه، آمنتم به بعد وقوع حين لا ينفعكم الإيمان.

قال أبو حيَّان: «وأمَّا تجويزهُ أن يكون» مَاذَا «جواباً للشَّرط فلا يصحُّ؛ لأنَّ جواب الشَّرط إذا كان استفهاماً، فلا بُدَّ فيه من الفاءِ تقول: إنْ زارنا فلانٌ، فأيُّ رجلٍ هو، وإن زارنا فلانٌ، فأيُّ يدٍ لهُ بذلك، ولا يجوزُ حذفها إلَاّ إن كان في ضرورةٍ، والمثالُ الذي ذكره وهو» إنْ أتَيْتُكَ ما تُطعمني؟ «هو من تمثيله، لا من كلام العرب.

وأمَّا قوله: ثُمَّ تتعلَّق الجملةُ ب» أرَأيْتُم «إن عنى بالجملة» مَاذَا يَسْتعجِلُ «فلا يصح ذلك؛ لأنَّه قد جعلها جواباً للشَّرْطِ، وإن عنى بالجملةِ جملة الشَّرطِ، فقد فسَّر هو» أرَأيْتُمْ «بمعنى: أخبرُوني، و» أخبرني «يطلب متعلِّقاً مفعولاً، ولا تقع جملةُ الشَّرطِ موقع مفعول» أخبرني «، وأمَّا تجويزه أن يكون:» أثُمَّ إذا ما وقعَ آمنتُم بِهِ «جواباً للشَّرطِ، و {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون} اعتراضاً، فلا يصحُّ أيضاً لما ذكرناه: من أن جملة الاستفهام لا تقع جواباً للشَّرط إلَاّ ومعها فاءُ الجواب، وأيضاً: ف» ثُمَّ «هنا حرف عطفٍ تعطفُ الجملة التي بعدها على التي قبلها، فالجملةُ الاستفهاميَّة معطوفة، وإذا كانت معطوفة، لم يصحَّ أن تقع جواب الشَّرط، وأيضاً: ف» أرَأيْتُمْ «بمعنى:» أخبروني «يحتاج إلى مفعول، ولا تقع جملة شرطٍ موقعه» .

وكون «أرأيتم» بمعنى «أخبروني» هو الظاهر المشهور، وقال الحوفيُّ: «الرؤية من

<<  <  ج: ص:  >  >>