الإيمان في ذلك الوقت لا يفيد نفعاً ألبتَّة؛ لأنَّه إيمان في وقت انحباس النفس؛ فثبت أنَّ الذي تطلبونه لو أتاكم، لم يحصل منه إلَاّ العذاب في الدنيا، ثم يحصل عقيبة يوم القيام عذابٌ آخر أشدُّ منه، ثم يقرون ذلك العذاب بكلام يدل على الإهانةِ، وهو قوله:{هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَاّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} .
فالحاصل: أنَّ هذا الذي تطلبونه محضُ الضَّرر العادي من جهات النفع، والعاقل لا يفعل ذلك.
وقوله:» بَيَاتاً «أي: ليلاً يقال: بت ليلتي أفعل كذا؛ لأنَّ الظاهر أنَّ الإنسان يكون في البيت بالليل؛ فجعل هذا اللفظ كناية عن الليل، والبيات: مصدر مثل التَّبييت؛ كالوداع، والسراح، ويقال في النهار ظللت أفعل كذا؛ لأنَّ الظاهر أن الإنسان يكون في النهار في الظِّلِّ، وانتصب» بياتاً «على الظرف أي: وقت بيات.
قوله:» أثُمَّ «قد تقدَّم خلافُ الزمخشري للجمهور في ذلك، حيث يقدِّر جملة بين همزة الاستفهام، وحرف العطف، و» ثمَّ «: حرفُ عطف.
واعلم: أنَّ دخول حرف الاستفهام على» ثُمَّ «كدخوله على» الواوِ «و» الفاء «في قوله: {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى}[الأعراف: ٩٨] ، {أَهْلُ القرى}[الأعراف: ٩٧] وهو يفيد التَّقريع والتَّوبيخ، وقال الطبري:» أثُمَّ «هذه بضمِّ الثاء ليست التي بمعنى: العطف، وإنَّما هي بمعنى:» هنالك «وهذا لا يوافقُ عليه؛ لأنَّ هذا المعنى لا يعرفُ في» ثُمَّ «بضم» الثاء «، إلَاّ أنَّه قد قرأ طلحة بن مصرِّف:» أثَمَّ «بفتح الثاء، وحينئذ يصحُّ تفسيرها بمعنى: هنالك.
قوله:» ألآن «قد تقدَّم الكلام في {الآن}[البقرة: ٧٢] ، وقرأ الجمهور:» ألآن «بهمزة الاستفهام داخله على» الآن «وقد تقدَّم مذاهبُ الفراء في ذلك، و» الآن «نصب بمضمر تقديره: الآن آمنتم، ودلَّ على هذا الفعل المقدَّر الفعلُ الذي تقدمهُ، وهو قوله:{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} ولا يجوز أن يعمل فيه» آمنتُم «الظَّاهرُ؛ لأنَّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيما بعده، كما أنَّ ما بعده لا يعملُ فيما قبله؛ لأنَّ له صدر الكلام، وهذا الفعلُ المقدَّرُ ومعمولُه على إضمار قول، أي: قيل لهم إذ آمنوا بعد وقوع العذابِ: آمنتُم الآن به، وقرأ عيسى، وطلحة:» آمنتم به الآن «بوصل الهمزة من غير استفهامٍ، وعلى هذه القراءة ف» الآن «منصوبٌ ب» آمنتم «هذا الظَّاهر.