والثاني: أنَّهُ مبتدأ، قال الزمخشري: والوجهُ النَّصْبُ على نفي الجنس، والرَّفعُ على الابتداء ليكون كلاماً برأسه، وفي العطف على محلِّ «مثقالُ ذرَّةٍ» ، أو على لفظ «مِثقال ذرَّةٍ» فتحاً في موضع الجرِّ؛ لامتناع الصَّرف إشكالٌ؛ لأنَّ قولك: «لا يعزُب عنه شيءٌ إلَاّ في كتاب» مشكل؛ لأنَّه يلزم منه أن يكون ذلك الشيء الذي في الكتاب خارجاً عن علم الله، ويصير التقدير: إلا في كتاب مبينٍ فيعزبُ، وهو باطلٌ، وهذان الوجهان اختيار الزَّجَّاج.
وقد يزول هذا الإشكالُ بما ذكره أبو البقاءِ: وهو أن يكون «إلَاّ في كتابٍ» استثناءً منقطعاً، قال: «إلَاّ في كتابٍ؛ أي: إلَاّ هو في كتابٍ، والاستثناءُ منقطع» .
قال ابن الخطيب: «أجاب بعضُ المحقِّقين من وجهين:
أحدهما: أن الاستثناء منقطع.
والآخر: أن العُزُوب عبارةٌ عن مطلق البعد، والمخلوقات قسمان:
أحدهما: قسمٌ أوجده الله ابتداءً من غير واسطةٍ، كالملائكةِ، والسمواتِ، والأرضِ.
وقسمُ أوجدهُ بواسطةِ القسم الأوَّلِ، مثل الحوادث الحادثة في عالم الكون والفساد، وهذا قد يتباعدُ في سلسلة العلِّية والمعلُوليَّة عن مرتبة وجود واجب الوجود، فالمعنى: لا يبعد عن مرتبة وجوده مثقالُ ذرَّة في الأرض، ولا في السماء، إلا وهو في كتاب مبين كتبه الله، وأثبت فيه صور تلك المعلومات» .
قال شهاب الدين: «فقد آل الأمرُ إلى أنَّهُ جعله استثناء مفرَّغاً، وهو حالٌ من» أصْغَرَ «و» أكبر «، وهو في قوَّة الاستثناء المتَّصل، ولا يقال في هذا: إنَّه متَّصلٌ ولا منقطع إذ المُفرَّغُ لا يقال فيه ذلك.
وقال الجرجانيُّ:» إلَاّ «بمعنى:» الواو «، والتقدير:» وما يعزُب عن ربِّك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السَّماء ولا أصْغر من ذلك ولا أكبر «وههنا تمَّ الكلام وانقطع، ثم ابتدأ بقوله: {إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} أي: وهو في كتاب مبين، والعربُ تضعُ» إلاًَّ «موضع واو النَّسق؛ كقوله:
{إِلَاّ مَن ظُلِمَ} [النساء: ١٤٨] {إِلَاّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} [البقرة: ١٥٠] . وهذا الذي قاله الجرجانيُّ ضعيفٌ جداً، وقد تقدَّم الكلامُ في هذه المسألة في البقرة، وأنَّهُ شيءٌ قال به الأخفش، ولم يثبُتْ ذلك بدليلٍ صحيح.
وقال أبو شامة: ويزيل الإشكال أن تُقدَّر قبل قوله: «إلَاّ في كتاب» «ليس شيء من ذلك إلَاّ في كتاب» وكذا تقدر في آية الأنعام [الأنعام: ٥٩] .
ولم يقرأ في سبأ إلا بالرفع، وهو يقوي قول من يقول: إنَّه معطوفٌ على «مِثْقَال» ،