ويُبَيِّنه أن «مثال» فيها بالرَّفع؛ إذ ليس قبله حرفُ جرٍّ. وقد تقدَّم الكلامُ على نظير هذه المسألة في سورة الأنعام، في قوله:{وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ}[الأنعام: ٥٩] إلى قوله: {إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[الأنعام: ٥٩] وأنَّ صاحب النَّظم الجرجانيَّ أحال الكلام فيها على الكلامِ في هذه السورة، وأنَّ أبا البقاء قال:«لوْ جعَلْنَاهُ كذا، لفسد المعنى» . وتقدَّم بيانُ فساده، والجواب عنه هناك، فالتفت إيله [الأنعام: ٥٩] .
قوله:{ألاا إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله} الآية.
اختلفوا فيمن يستحقُّ هذا الاسم.
فقال بعضهم: هم الذين ذكرهم اللهُ في كتابه، بقوله {الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} .
وقال قوم: هم المتحابُّون في الله، لما روى أبو مالك الأشعري، قال: كنتُ عند النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: «إنَّ للهِ عباداً ليْسُوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطُهُم النبيون والشُّهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامةِ» ، قال: وفي ناحية المسجدِ أعربي، فجثا على ركبتيه، ورمى بيديه، ثم قال: حدِّثنا يا رسول الله عنهم، قال: فرأيتُ في وجهِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ البشر؛ فقال:«هُم عبادٌ من عبادِ اللهِ، من بلدانٍ شتَّى، وقبائل شتَّى لَمْ يكُنْ بينهُمْ أرحامٌ يتواصلون بها، ولا دُنْيَا يتباذلُون بها، يتحابُّون برُوحِ اللهِ، يجعل الله وجُوههُم نُوراً، ويجعل لهم منابر من لؤلؤٍ قدَّام الرحمن، يفزع الناسُ ولا يفزعُون، ويخافُ النَّاسُ ولا يخافُون» .
قال أبو بكر الأصم: أولياء الله: هم الذين تولَّى الله هدايتهم بالبرهان وتولَّوُا القيامَ بحق العُبُوديَّةِ لله، والدَّعوة إليه.
واعلم: أنَّ تركيب الواو، واللَاّم، والياءِ يدل على معنى القرب، فوليُّ كلِّ شيء هو الذي كون قريباً منه، والقُرْب من الله - تعالى - بالمكان والجهة محالٌ؛ فالقرب منه إنَّما يكونُ، إذا كان القلبُ مُسْتَغْرقاً في نُور معرفة الله - تعالى -، فإنْ رأى، رأى دلائلَ قُدْرَةِ الله، وإن سمع، سمع آيات الله، وإن نطقَ، نطقَ بالثناء على الله، وإن تحرَّك، تحرَّك في خدمة الله، وإن اجتهد، اجتهد في طاعةِ الله، فهنالك يكون في غاية القرب من الله؛ فحينئذ يكون وليّاً.
قوله تعالى:{الذين آمَنُواْ} في محلِّه أوجهٌ:
أحدها: أنَّه مرفوعٌ خبر مبتدأ مضمر، أي: هم الذي آمنوا، أو خبر ثان ل «إنَّ» ن أو مبتدأ، والخبر الجملةُ منق وله:{لَهُمُ البشرى} ، أو على النَّعْت على موضع «أوْليَاء»