قال الزمخشريُّ: فإن قلت: لم ذُكر المسُّ في أحدهما والإرادةُ في الثاني؟ قلت: كأنَّه أراد أن يذكر الأمرين جميعاً: الإرادة والإصابة في كُلِّ واحدٍ من الضُّر والخَيْر، وأنَّه لا رادَّ لما يريده منهما، ولا مُزيلَ لِمَا يُصيب به منهما، فأوجز الكلام بأن ذكر المسَّ وهو الإصابةُ في أحدهما، والإرادة في الآخر ليدُلَّ بما ذكر على ما ترك، على أنَّه قد ذكر الإصابة في الخير في قوله:{يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ}[يونس: ١٠٧] .
فصل
اعلم أنَّ الشيء إمَّا أن يكون ضارّاً، وإمَّا أن يكون نافعاً، وهذان القسمان مشتركان في اسم الخير، ولمَّا كان الضر أمراً وجودياً، والخير قد يكون أمراً عدميّاً، لا جرم لم يذكر لفظ الإمساس فيه بل قال:{وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} والآية دالَّة على أنَّ الضرَّ والخيْرض واقعان بقدرةِ الله وبقضائه، فيدخل فيه الكفر، والإيمان، والطاعةُ، والمعصيةُ، والسرورُ والخيراتُ والآلامُ واللَّذاتُ.
ومعنى الآية: إن يُصبْكَ الله بضرٍّ أي: بشدَّة، وبلاء فلا دافع لهُ إلَاّ هُوَ، {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} رخاء ونعمة وسعة {فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ} لا دافع لرزقه، {يُصَيبُ بِهِ} بكل واحدٍ من الضر والخير {مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغفور الرحيم} .
قال الواحديُّ: قوله: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} من المقلوب، معناه: وإن يرد بك الخَيْرَ، ولكنَّه لمَّا تعلَّق كل واحد منهما بالإرادةِ جاز تقديم كل واحد منهما.
قال المفسِّرون: لمَّا بيَّن تعالى في الآية الأولى أنَّ الأصنامَ لا تضرّ ولا تنفعُ بيَّن في هذه الآية أنَّها لا تقدر على دفع الشَّر الواصل من الغير، ولا على دفع الخير الواصل من الغير.
قوله تعالى:{قُلْ يا أيها الناس قَدْ جَآءَكُمُ الحق مِن رَّبِّكُمْ} الآية.
قوله:«مِن ربِّكم» يجوز أن يتعلَّق ب «جَاءَكُمُ» و «مِنْ» لابتداء الغاية مجازاً، ويجُوزُ أن يكون حالاً من «الحَقِّ» .
قوله: فَمَنُ اهْتَدَى ومن ضلَّ يجوز أن تكون «مَنْ» شرطاً، فالفاءُ واجبةُ الدُّخُولِ وأن تكون موصولة فالفاءُ جائزته.
فصل
المراد «بالحقّ» القرآن والإسلام {فَمَنُ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} أي: على نفسه.
قوله:{وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أي: بِكَفِيلٍ يحفظ أعمالكم، و «ما» يجوز أن تكون الحجازيَّة أو التميمية، لخفاء النصب في الخبر.