الشُّبهِ وتعويج الدَّلائلِ المستقيمة؛ لأنه لا يقال في العاصي: يبغي عوجاً، وإنما يقالُ ذلك في العالم بكيفيه الاستقامة وكيفية العوج بسبب إلقاء الشُّبهاتِ.
ثم قال: {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ} .
قال الزَّجَّاجُ: «كرر كلمة» هُمْ «توكيداً لشأنهم في الكُفْرِ» .
{أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ} .
قال الواحديُّ: «معنى الإعجاز المنع من تحصيل المراد، يقال: أعجزني فلانٌ: أي: منعني من مرادي، ومعنى {مُعْجِزِينَ فِي الأرض} أي: لا يمكنهم أن يهربُوا من عذابنا، فإنَّ هربَ العبدِ من عذابِ الله - تعالى - محالٌ؛ لأنَّه - تعالى - قادرٌ على جميع الممكنات» .
وقال ابنُ عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «سَابقين» .
وقال مقاتلٌ: «فائتين» .
{فِي الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ} يعني أنْصَاراً يحفظونهم من عذابنا.
{يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب} أي: يُزادُ في عذابهم. وقيل: تضعيف العذاب عليهم لإضلالهم الغير.
وقيل سبب تضعيف عذابهم أنَّهُم كفروا بالبَعْثِ والنشور.
قوله: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} يجوز في «ما» هذه ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أن تكون نافيةً، نفى عنهم ذلك لمَّا لمْ يَنْتَفعُوا به، وإن كانُوا ذوي أسماع وأبصار، أو يكون متعلَّقُ السَّمْعِ والبصر شيئاً خاصاً.
والثاني: أن تكون مصدرية، وفيها حينئذٍ تأويلان:
أحدهما: أنَّها قائمةٌ مقام الظرف، أي: مُدة استطاعتهم، وتكونُ «مَا» منصوبة ب «يُضاعَفُ» ، أي: لا يضاعفُ لهم العذابُ مُدة استطاعتهم السَّمْعَ والأبصار.
والثاني: أنَّها منصوبة المحلِّ على إسقاطِ حرف الجر كما يحذف من «أنْ» و «أنّ» اختيها، وإليه ذهب الفرَّاءُ، وذلك الجَارُّ متعلقٌ أيضاً ب «يُضَاعَفُ» أي: يضاعفُ لهم بكونهم كانوا يسمعون، ويبصرون، ولا ينتفعون.
والثالث: أن تكون «ما» بمعنى «الَّذي» ، وتكون على حذف حرف الجر أيضاً، أي: بالذي كانوا، وفيه بعدٌ لأنَّ حذف الحرفِ لا يطَّرد.
والجملة من قوله: «يُضاعَفُ» مستأنفة.
وقيل: إنَّ الضمير في قوله «مَا كَانُوا» يعودُ على «أوْليَاء» وهم آلهتهم، أي: فما كان لهم في الحقيقةِ من أولياء، وإن كانُوا يعتقدون أنَّهم أولياء، فعلى هذا يكون {يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب} معترضاً.