للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال تعالى: {وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله مَجْرَاهَا} .

يجُوزُ أن يكون فاعلُ «قَالَ» ضمير نوح - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، ويجوزُ أن يكون ضمير الباري - تعالى جل ذكره - أي: وقال الله لنوح ومنه معهُ. و «فِيهَا» متعلقٌ ب «ارْكَبُوا» وعُدِّي ب «في» لتضَمُّنه معنى «ادخلوا فيها راكبين» أو سيروا فيها.

وقيل: تقديره: اركبوا الماء فيها. وقيل: «في» زائدة للتَّوكيد.

والركوب: العلو على ظهر الشيءِ، ومنه ركوب الدَّابة، وركوب السَّفينة، وركوب البحر، وكل شيء علا شيئاً، فقد ركبه، ويقال: ركبه الدَّين. قال الليثُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وتسمي العربُ من يركبُ السَّفينة: رُكَّابَ السَّفينة، وأمَّا الركبانُ، والأركُوبُ، والرَّكْبُ: فركَّابُ الدَّوابِّ.

قال الواحدي: ولفظة «فِي» في قوله «ارْكَبُوا فيهَا» لا يجوز أن تكون من صلة الركوب؛ لأنَّه يقال: ركبت السفينة ولا يقال: ركبت في السَّفينة، بل الوجهُ أن يقول مفعول «ارْكَبُوا» محذوف والتقدير: «اركبوا الماء في السَّفينة» .

وأيضاً يجوز أن تكون فائدة هذه الزيادة، أنَّه أمرهم أن يكونوا في جوف الفلك لا على ظهرها فلو قال: اركبوها، لتوهَّمُوا أنَّه أمرهم أن يكونوا على ظهر السَّفينة.

قال قتادةُ: ركبُوا السَّفينة يوم العاشر من شهر رجب؛ فسارُوا مائةً وخمسين يوماً، واستقرَّتْ على الجُودي شهراً، وكان خروجهم من السفينة يوم عاشوراء من المحرَّمِ.

قوله: {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} .

يجوز أن يكون هذا الجار والمجرور حالاً من فاعل «اركبوا» أو من «ها» في «فيها» ويكونُ «مجراها» ، و «مرساها» فاعلين بالاستقرار الذي تضمَّنهُ الجارُّ لوقوعه حالاً. ويجوز أن يكون «بِسْمِ اللهِ» خبراً مقدَّماً، و «مَجْراها» مبتدأ مؤخراً، والجملة أيضاً حالٌ ممَّا تقدَّم، وهي على كلا التقديرين حالٌ مقدرةٌ كذا أعربه أبو البقاء، وغيره. إلَاّ أنَّ مكيّاً منع ذلك لخلو الجملة من ضمير يعود على ذي الحال إذا أعربنا الجملة أو الجارَّ حالاً من فاعل «ارْكَبُوا» قال: ولا يَحْسُنُ أن تكون هذه الجملة حالاً من فاعل «اركبُوا» ؛ لأنَّه لا عائد في الجملةِ يعودُ على الضمير في «اركبُوا» لأن المضمر في «بِسْمِ اللهِ» إنْ جعلته خبراً ل «مَجْراهَا» فإنَّما يعودُ على المبتدأ، وهو مجراها، وإن رفعت «مَجْرَاهَا» بالظَّرفِ لم يكن فيه ضمير الهاءِ في «مَجْراهَا» وإنما تعودُ على الضمير في «فِيهَا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>