وقال مقاتل: كانوا اثنين وسبعين رجلاً وامرأةً، وبنيه الثلاث ونساءهُم.
فجميعهم ثمانية وسبعون، نصفهم رجال، ونصف نساء.
وعن ابن عباسٍ: كان في سفينة نوح عليه السلام ثمانون رجلاً، أحدهم جرهم، يقال: إنَّ في ناحية «المَوْصِل» قريةً، يقال لها: قريةُ الثَّمانين، سمِّيت بذلك؛ لأنَّهم لما خرجوا من السَّفينة بنوها، فسُمِّيت بهم.
قال مقاتلٌ: حمل نوحٌ معه جسد آدم، فجعله معترضاً بني الرِّجال والنِّساء.
وقال الحسنُ: لم يحمل نوحٌ في السفينة إلَاّ ما يلد ويبيض فأما ما يتولَّد من الطين؛ فالحشرات، والبقِّ، والبعوض؛ فلم يحمل منه. ثم قال تعالى {إِلَاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول} يعني: حكم الله عليه بالهلاك، وهو ابنه، وزوجته، وكانا كافرين، فأما ابنه فهو يام، وتسميه أهل الكتاب: كنعان، فهو الذي انعزل عنه، أما امرأةُ نوحٍ، فهي أمِّ أولاده كلهم: حام، وسام، ويافث، وهو أدرك؛ انعزل، وغرق، وعابر، وقد مات قبل الطوفان، فقيل مع من غرق وكانت خمس سبق عليها القول بكفرها، وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة فيحتمل أنها ماتت بعد ذلك.
فإن قيل: الإنسان أشرف من سائر الحيواناتِ، فما الفائدة من ذكر الحيوانات؟
فالجوابُ: أنَّ الإنسانَ عاقلٌ وهو لعقله كالمضطر إلى دفع أسباب الهلاكِ عن نفسه، فلا حاجة إلى المبالغة في التَّرغيب فيه، بخلاف السَّعْي في تخليص سائر الحيوانات؛ فلهذا وقع الابتداء به.
فإن قيل: الذين دخلوا السَّفينة كانوا جماعة فلم لم يقل قليلون كما في قوله: {إِنَّ هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}[الشعراء: ٥٤] ؟ فالجواب: كلا اللفظين جائز، والتقدير - ههنا -: وما آمن معه إلا نفر قليل.
فصل
احتجوا بقوله {إِلَاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول} في إثبات الفضاءِ السَّابق والقدر الوجب، لأنَّ قوله {سَبَقَ عَلَيْهِ القول وَمَنْ آمَنَ} يدلُّ على أنَّ من سبق عليه القول ومن آمَنَ لا يغيَّرُ عن حاله، فهو كقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه» .