الرِّجال في أدبارهم، فقال لهم لوطٌ - عليه السلام -: حين قصدوا أضيافه فظنوا أنهم غلمان {ياقوم هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} يعني: بالتزويج.
قوله
: {هؤلاء
بَنَاتِي} جملةٌ برأسها، و {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} جملةٌ أخرى، ويجُوزُ أن يكون «هؤلاءِ» مبتدأ، و «بَنَاتِي» بدلٌ أو عطفُ بيان، وهُنَّ مبتدأ، و «أطْهَرُ» خبره، والجملة خبر الأول. ويجوز أن يكون «هُنَّ» فصلاً، و «أطْهَرُ» خبر: إمَّا ل «هَؤلاءِ» ، وإمَّا ل «بَنَاتِي» والجملةُ خبر الأوَّلِ.
وقرأ الحسنُ وزيدُ بنُ عليّ، وسعيدُ بنُ جبير، وعيسى بن عمر، والسُّدي «أطْهَرَ» بالنَّصْب، وخُرِّجَتْ على الحالِ، فقيل:«هؤلاءِ» مبتدأ، و «بَنَاتِي هُنَّ» جملة في محلِّ خبره، و «أطْهَرَ» حال، والعاملُ: إمَّا التَّنبيهُ وإمَّا الإشارةُ.
وقيل:«هُنَّ» فصلٌ بين الحالِ وصاحبها، وجعل من ذلك قولهم:«أكثر أكْلِي التفاحة هي نضيجةً» ومنعه بعضُ النحويين، وخرج الآية على أنَّ «لَكُم» خبر «هُنَّ» فلزمه على ذلك أن تتقدَّم الحالُ على عاملها المعنويِّ، وخرَّج المثل المذكور على أنَّ «نَضِيجَةٌ» منصوبة ب «كَانَ» مضمرة.
فصل
قال قتادةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «المرادُ بناته لصلبه» ، وكان في ذلك الوقت تزويج المسلمة من الكافر جائزاً كما زوَّج النبي - صلوات الله البرّ الرحيم وسلامه عليه دائماً أبداً - ابنته من عُتْبة بن أبي لهبٍ، وزوج ابنته الأخرى من أبي العاص بن الربيع قبل الوحي، وكانا كافرين.
وقال الحسنُ بن الفضل: عرض بناته عليهم بشرط الإسلام.
وقال مجاهدٌ وسعيدُ بن جبير: أراد نساءهم، وأضاف إلى نفسه؛ لأنَّ كُلَّ نبيٍّ أبو أمته وفي قراءة أبي بن كعب « {النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}[الأحزاب: ٦] وهو أب لهم» وهذا القول أولى؛ لأنَّ إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش والفُجَّار أمر مستعبدٌ لا يليقُ بأهل المروءةِ، فكيف بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -؟ وأيضاً فبناته من صلبه لا تكفي للجمع العظيم، أمَّا بناتُ أمته ففيهن كفاية للكُلِّ، وأيضاً: فلم يكن له إلَاّ بنتان، وإطلاق البنات على البنتين لا يجوز؛ لما ثبت أنَّ أقلَّ الجمع ثلاثة؛ وقال بعضهم ذكر ذلك على سبيل الدفع لا على سبيل التحقيق.