للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال شهابُ الدِّين: «وحاش لله أن تترتب القراءتان على التَّكاذُبِ، ولكن ما قاله الزمخشري صحيحٌ، الفرض أنَّهُ قد جاء القولان في التفسير، ولا يلزم من ذلك التَّكاذبُ؛ لأنَّ من قال إنَّه سرى بها يعني أنَّها سرتْ هي بنفسها مصاحبةً لهم في أوائل الأمر، ثمَّ أخذها العذابُ فانقطع سُراها، ومن قال إنَّه لم يسر بها، أي: لَمْ يأمرها، ولم يأخذها، وأنَّهُ لم يدُم سراها معهم بل انقطع فصحَّ أن يقال: إنَّهُ سرى بها ولم يَسْرِ بها، وقد أجاب النَّاسُ بهذا، وهو حسنٌ» .

وقال أبو شامة: «ووقع لي في تصحيح ما أعربه النحاةُ معنى حسنٌ، وذلك أن يكون في الكلام اختصار نبَّه عليه اختلاف القراءتين فكأنَّهث قيل: فأسر بأهلك إلَاّ امرأتك، وكذا روى أبو عبيد وغيره أنها في مصحف عبد الله هكذا، وليس فيها:» ولا يلتفتْ منكمْ أحَدٌ «فهذا دليلٌ على استثنائها من السُّرَى بهم ثم كأنه سبحانه وتعالى قال: فإن خرجتْ معكم وتَبعتْكُم - غير أن تكون أنت سريتَ بها - فانْهَ أهلك عن الالتفات غيرها، فإنَّها ستلتفت فيصيبها ما أصاب قومها، فكانت قراءة النَّصب دالَّة على المعنى المتقدم، وقراءةُ الرَّفعِ دالَّةٌ على المعنى المتأخر، ومجموعهما دالٌّ على جملة المعنى المشروح» .

وهو كلامٌ حسنٌ شاهدٌ لما ذكرته.

قوله: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا} الضَّميرُ ضمير الشَّأنِ، «مُصِيبُهَا» خبرٌ مقدَّم، و «مَا أصَابَهُمْ» مبتدأ مؤخَّر وهو موصولٌ بمعنى «الذي» ، والجملة خبرُ «إنَّ» ؛ لأنَّ ضمير الشَّأنِ يُفسَّر بجملةٍ مصرَّحٍ بجزأيها.

وأعرب أبو حيان: «مُصِيبُهَا» مبتدأ، و «مَا أصَابهُمْ» الخبر وفيه نظرٌ من حيثُ الصَّناعة: فإنَّ الموصول معرفة، فينبغي أن يكون المبتدأ: «مُصِيبُهَا» نكرةً؛ لأنه عاملٌ تقديراً فإضافتهُ غير محضةٍ، ومن حيث المعنى: إنَّ المراد الإخبار عن الذي أصابهم أنه مُصيبها من غير عكس ويجوز عند الكوفيين أن يكون «مُصِيبُهَا» مبتدأ، و «ما» الموصولةُ فاعلٌ لأنَّهم يجيزون أن يفسَّر ضميرُ الشَّأن بمفرد عاملٍ فيما بعده نحو: «إنَّهُ قائمٌ أبواك» .

قوله: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ} أي: موعد إهلاكهم. وقرأ عيسى بن عمر «الصُّبُح» بضمتين فقيل: لغتان، وقيل: بل هي إتباعٌ، وقد تقدَّم البحثُ في ذلك [الأنعام: ٩٦] .

قوله: {فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا} قيل: المراد حقيقتهُ، وقيل: المرادُ بالأمر العذابُ، قال بعضهم: لا يمكن حملهُ هنا على العذاب؛ لأن قوله: {فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا} ، فالجعل هو العذاب فكان الأمر شرطاً، والعذاب الجزاءُ، والشرط غير الجزاء، فالأمر غير العذاب، فدلَّ على أن الأمر هو ضدُّ النهي؛ ويدل على ذلك قول الملائكة: {إِنَّا أُرْسِلْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>