وقوله:{إلى مَآ أَنْهَاكُمْ} يتعلَّق ب «أخَالِفَكُمْ» ، ويجُوزُ أن يتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ حال، أي: مائلاً إلى ما أنهاكم عنه، ولذلك قدَّر بعضهم محذوفاً يتعلَّقُ به هذا الجارُّ تقديره: وأميل إلى أن أخالفكم، ويجُوزُ أن يكون «أنْ أخالِفكثمُ» مفعولاً من أجله، وتتعلق «إلى» بقوله «أريدُ» بمعنى: وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه.
ولذلك قال الزجاج: وما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه.
ويجوزُ أن يرادَ بأن أخالفكم معناه من المخالفةِ، وتكون في موضع المفعول به ب «أُرِيد» ، ويقدَّر مائلاً إلى.
والمعنى: وما أريدُ فيما آمركم به وأنهاكم عنه: {إِلَاّ الإصلاح مَا استطعت} .
قوله:{مَا استطعت} يجوزُ ما «مَا» هذه الوجوه:
أحدهما: أن تكون مصدرية ظرفية أي: مدة استطاعتي.
والثاني: أن تكون «ما» موصولة بمعنى «الذي» بدلاً من «الإصلاح» والتقديرُ: إن أريدُ إلَاّ المقدارَ الذي أستطيعه من الصَّلاح.
الثالث: أن يكون على حذفِ مضاف، أي: إلَاّ الإصلاحَ إصلاحَ ما استطعتُ، وهو أيضاً بدلٌ.
الرابع: أنَّها مفعول بها بالمصدر المعرَّف، أي: إنَّ أريدُ إلَاّ أن أصلح ما استطعت إصلاحُه؛ كقوله:[المتقارب]
ذكر هذه الأوجه الثلاثة الزمخشريُّ، إلَاّ أنَّ إعمال المصدر المعرَّف قليلٌ عند البصريين، ممنوعٌ إعمالهُ في المفعول به عند الكوفيين، وتقدَّم الجارَّان في «عليهِ» و «إليهِ» للاختصاص أي: عليه لا على غيره، وإليه لا إلى غيره.
فصل
اعمل أنَّ القوم كانوا قد أقرُّوا إليه بأنَّهُ حليمٌ رشيدٌ؛ لأنَّهُ كان مشهوراً بهذه الصفة، فكأنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ قال لهم: إنَّكُم تعرفون من حالي أني لا أسعى إلَاّ في الإصلاح وإزالة الفسادِ، فلمَّا أمرتكم بالتَّوحيدِ وترك إيذاء النَّاس؛ فاعلموا أنَّهُ دينٌ حق وأنه لي غرضي منه إيقاع الخصومة، وإثارة الفتنةِ، فأنتُم تعرفون أني أبغض ذلك الطريق، ولا أسْعَى إلَاّ إلى ما يوجب الصلاح بقدر جهدي وطاقتي، وذلك هو الإبلاغ