أمرتَ بها على جادًّة الحقِّ غير عادلٍ منها. وإمَّا على الحالِ من ضميرِ ذلك المصدر.
واستفعل هنا للطَّلب، كأنه قيل: اطلب الإقامة على الدِّين، كما تقول: استغفر أي: اطلب الغفران.
قوله:{وَمَن تَابَ مَعَكَ} في «مَنْ» وجهان، أحدهما: أنَّهُ منصوب على المفعول به، كذا ذكره أبو البقاء ويصير المعنى: استقم مصاحباً لمنْ تاب مُصاحباً لك، وفي هذا المعنى نقوٌّ عن ظاهر اللفظ.
والثاني: أنَّهُ مرفوعٌ فإنَّه نسقٌ على المستتر في «اسْتَقمْ» ، وأعنى الفصلُ الجارِّ عن تأكيده بضميرٍ منفصل في صحَّةِ العطف، وقد تقدَّم هذا البحث في قوله:{اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ}[البقرة: ٢٥] ، وأنّ الصحيح أنَّهُ من عطف الجمل لا من عطف المفرادات، ولذلك قدَّرهُ الزمخشريُّ فاستقم أنتَ، وليستقم من تاب مَعَكَ، فقدَّر الرافع له فعلاً لائقاً برفعه الظَّاهر.
وقال الواحدي: محلها ابتداء تقديره: ومن تَابَ معكَ فلْيَستقِمْ
فصل
معنى الآية:{فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ} على دين ربِّك، والعمل به، والدُّعاء إليه، كما أمرت، {وَمَن تَابَ مَعَكَ} أي: مَنْ معك فليَسْتَقِيمُوا، قال عمرُ بنُ الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: الاستقامةُ أن تَسْتَقِيمَ على الأمْرِ والنَّهْي، ولا تروغ روغان الثَّعلب.
روى هشام بن عُروة عن أبيه عن سفيان بن عبدِ الله الثَّقفي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال:«قلتُ يا رسُول الله قُلْ لِي فِي الإسلامِ قَوْلاُ لا أسْألُ عنهُ أحداً بعدك، قال:» قُلْ آمنْتُ باللَّهِ ثم اسْتٌقِمْ «.
فصل
هذه الآية أصلٌ عظيم في الشَّريعة، وذلك أنَّ القرآن لمَّا ورد بترتيب الوضوء في اللفظ وجب اعتبار الترتيب فيه، لقوله:{فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ} ، ولمَّا» ورد الأمرُ في الزَّكاةِ بأداء الإبل من الإبل، والبقرِ من البقرِ وجب اعتبارها، وكذا القولُ في كل ما ورد أمرُ الله به.
قال ابنُ الخطيبِ: وعندي أنه لا يجوزُ تخصيص النصِّ بالقياسِ؛ لأنَّهُ لمَّا دلَّ عموم النَّص على حكم وجب العمل بمقتضاه، لقوله تعالى -: {فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ} فالعملُ بالقياسِ انحراف عنه.