ثم قال:{وَلَا تَطْغَوْاْ} أي: لا تجوزوا أمري ولا تعصوني وقيل: لا تغلُوا فتزيدُوا على أمرت ونهيت والطُّغيان: تجاوز الحدًّ. وقيل: لا تطغوا في القرآن فتحلُّوا حرامهُ وتحرِّمُوا حلالهُ وقال ابنُ عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: «تواضعوا لله ولا تتكبورا على أحد»{إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قرأ العامَّة «تَعْمَلُونَ» بالتَّاء «جرياً على الخطابِ المتقدم.
وقرأ الحسن والأعمش وعيسى الثقفيُّ بياء الغيبة، وهو التفاتٌ من خطابٍ لغيبةٍ عكس ما تقدَّم في {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .
قوله تعالى:{وَلَا تركنوا} قرأ العامَّةُ بفتح التَّاءِ والكاف، والماضي من هذا «رَكِن» بكسر العين ك «عَلِمَ، وهذه الفصحى، كذا قال الأزهريُّ وقال غيره:» وهي لغةُ قريش «وقرأ أبو عمرو في رواية:» تِرْكَنُوا «بكسر حرف المضارعة وقد تقدَّم ذلك في قوله:» نَسْتعِينُ «.
وقرأ قتادةُ، وطلحةُ، والأشهب، ورويت عن أبي عمرو» تَرْكُنُوا «بضمِّ العين وهو مضارع» رَكَنَ «بفتحها ك: قَتَلَ يَقْتُل، وقال بعضهم: هو من التَّداخُلِ، يعني من نطق ب» رَكَنَ «بكسر العين قال:» يَرْكُن «بضمها، وكان من حقِّه أن يفتحَ، فلمذَا ضمّ علمنا أنه استغنى بلغةِ غيره في المضارع عن لغته، وأمَّا في هذه القراءةِ فلا ضرورة بنا إلى ادِّعاءِ التَّداخُل، بل ندَّعي أنَّ من فتح الكاف أخذه من:» رَكِنض «بالكسرِ، ومن ضمَّها أخذه من» رَكَنَ «بالفتح، ولذلك قال الراغبُ:» والصحيحُ أن يقال: رَكِنَ يَرْكَنُ ورَكَنَ يَرْكُنُ بالكسر في الماضي مع الفتح في المضارع، وبالفتح في الماضي مع الضمِّ في المضارع «وشذَّ أيضاً قولهم: رَكَن يَرْكَن بالفتح فيهما، وهو التداخل؛ فتحصًّل من هذا أنَّه قال:» رَكِنَ «بكسر العين وهي اللغة العالية كا تقدَّم، و» ركَنَ «بفتحها، وهي لغة قيس وتميم، وزاد الكسائيُّ:» ونَجْد «وفي المضارع ثلاثٌ: الفتحُ، والكسرُ، والضمُّ. وقرأ ابنُ أبي عبلة:» تُرْكَنُوا «مبنياً للمفعول من: أرْكَنَهُ إذا أمالهُ، فهو من باب» لا أرَيَنَّكَ ههنا «و {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} الأعراف: ٢] وقد تقدم.