في بيعه بثمن عظيمٍ، ويحتملُ أن يقال: إنهم اشتروه مع أنهم أظهرُوا من أنفسهم كونهم فيه من الزَّاهدين، وغرضهم أن يتوصَّلُوا بذلك إلى تقلل الثَّمن، ويحتمل أن يقال: إنَّ الإخوة لما قالوا: إنه عبدٌ أبق منا صار المشتري عديم الرغبة فيه.
قال مجاهدُ رَحِمَهُ اللَّهُ كانوا يقولون: لئلا يأبق.
وإن قلنا: إنَّ المراد من الشِّراء البيع ففي ذلك البائع قولان:
الأول: قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما إنَّ إخوة يوسف لمَّا طرحوه في الجبّ، ورجعوا عادوا بعد ثلاثٍ يتعرَّفُونَ خبره، فلمَّا لم يروه في الجبّ، ورأوا آثار السَّيارة طلبوهم، فلمَّا رأوا يوسف قالوا:: هذا عبدٌ لنا أبق منا فقالوا لهم: فبيعوه منَّا، فباعوه منهم، وإنَّما وجب حملُ الشِّراء على البيع؛ لأن الضمير في قوله:«وشَرَوْهُ» وفي قوله: {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين} عائدٌ إلى شيءٍ واحدٍ، وإذا كان كذلك فهم باعوه؛ فوجب حملُ الشراء على البيع.
والثاني: أن بائع يوسف هم الَّذين اسْتَخْرجُوه من الجُبّ.
وقال محمد بن إسحاق: وربُّك أعلمُ أإخوته باعوه، أم السيارة؟ .
والبَخْسق: النَّاقصُ، وهو في الأصل مصدرٌ، وصف به مبالغة.
وقيل: هو بمعنى مفعولٍ، و «دَراهِمَ» بدلٌ من «بِثَمَنٍ» ، و «فِيهِ» متعلق بما بعده، واغتفر ذلك للاتِّساعِ في الظروف، والجار، أو بمحذوف وتقدم [البقرة: ١٣٠] مثله.
فصل
اعلم أنه تعالى وصف ذلك الثمن بصفات ثلاثٍ:
إحداها: كونه بخساً، قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: يريدُ حراماً؛ لأنَّ ثمن الحُرَّ حرامٌ، وقال: وكلٌّ بخس في كتابِ اللهِ نقصان إلَاّ هذا فإنهُ حرامٌ.
قال الواحدي:«سمي الحرامُ بخساً؛ لأن ناقصُ البركة» .
وقال قتادة: بخس: ظلم، والظُّلمُ نقصان، يقال: ظلمهُ، أي: نقصهُ وقال عكرمةُ والشعبيُّك قليل. وقيل: ناقص عن القيمة نقصاناً ظاهراً وقيل: كانت الدَّراهمُ زيوفاً ناقصة العيارِ.