قال الواحديُّ: وعلى الأقوال كُلِّها، فالبخسُ مصدرٌ وقع موصع الاسمِ، والمعنى: بثمنٍ مبخُوسٍ.
وثانيها: قوله: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} قيل: تعدُّ عدًّا، ولا توزن إلا أنهم كانوا يزنون إذا بلغ الأوقية، وهي أربعون ويعدُّون ما دونها. فقيل للقليل معدودٌ، لأن الكثير لا يعدُّ لكثرته، بل يوزن قال ابن عباسٍ، وابنُ مسعود، وقتادةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: كانت عشرين درهماً، فاقتسموها درهمين درهمين إلا يهوذا، فإنَّه لم يأخذ شيئاً.
الثالث: أن الذين اشتروه كانوا فيه مِنَ الزَّاهدين، وقد سبق توجيه هذه الأقوال.
وقال مجاهدٌ والسديُّ: اثنين وعشرين درهماً.
فإن قيل: إنَّهم لما ألقوه في الجبِّ حسداًن فأرادوا تضييعه عن أبييه، فلمَ باعوه؟ .
فالجواب: أنَّهم لعلَّهم خافوا أن تذكر السيارة أمره، فيردوه إلى أبيه، لأنَّه كان أقرب إليهم من مصر.
فإن قيل: هب أنَّهم أرادوا ببيعه أيضاً تبعيده عن أبيه؛ فلمَ أحلَّ له أخذ ثمنه «.
فالجواب: أن الذي اشترى يوسف كان كافراً، وأخذُ مالِ الكافرِ حلالٌ.
وثالثها: قوله: {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين} ومعنى الزُّهد: قلَّة الرغبة، يقال زهد فلان في كذا إذا لم يرغب فيه، وأصله من القلَّة، يقال: رجلٌ زهيدٌ، إذا كان قليل الجِدةِ، وفيه وجوه:
الأول: أنَّ إخوة يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ باعوه؛ لأنهم كانوا فيه من الزَّاهدينَ
الثاني: أنَّ السيَّارة كانُوا فيه من الزَّاهدين؛ لأنَّهم التَقطُوهُ، والملتَقِطُ يتهاونُ، ولا يباللاي بأي شيءٍ يباعُ، أو لأنَّهُم خافوا أن يظهر المستحق، فينزعه من يدهم، فلا جرم باعوه بالأوكس من الأثمان.
والضمير في قوله:» فِيهِ «يحتمل أن يعود إلى يوسف، ويحتمل أن يعود إلى الثَّمن البَخْسِ.
فصل
قال القرطبيُّ:» في الآية دليلٌ على شراءِ الشَّيء الخطيرِ بالثَّمنِ اليسير، ويكونُ البيع لازماً «.