يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لم يكن مملوكاً لذلك الرجل حقيقة «لَدى البابِ» أي: عند البابِ، والمرأة تقول لبعلها: سيِّدي.
فإن قيل: فالمرأةُ أيضاً ليست مملوكة لبعلها حقيقة.
فالجواب: أن الزَّوج لما ملك الانتفاع بالمرا’ من الوطء والخلوةِ، والمباشرةِ، والسفر بها من غير اختيارها أشبهت المملوكة، فلذلك حسن إطلاقُ السيِّد عليه.
قال القرطبيُّ:«والقبط يسمون الزوج سيداً، ويقال: ألفاه، وصادفهُ، وواله ووَالطَه، ولاطَهُ، وكلٌّ بمعنى واحدٍ» .
فعند ذلك، خافتِ المرأةُ من التُّهمِ، فبادرت إلى أن رمتْ يوسف عليه السلام بالعفلِ القبيح، {وقالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً} يعنى الزِّنا، ثم خافت عليه أن يقتل فقالت:{إلَاّ أن يُسجنَ} ، أي: يحبس، {أوْ عذابٌ أليمٌ} أي: يُعَاقبُ بالضَّربِ.
قوله:«مَا جزاءُ» يجوز في «مَا» هذه أن تكون نافية، وأن تكون استفهاميَّة، و «مَنْ» يجوز أن تكون موصولة، أو نكرة موصوفة.
قوله:«إلَاّ أن يُسْجنَ» خبر المبتدأ، ولما كان «أن يُسْجنَ» في قوَّة المصدر عطف عليه المصدر، وهو قوله:«أو عذابٌ» . و «أوْ» تحتملُ معانيها، وأظهرها التنويع.
وقرأ زيد بن علي: (أو عذاباً أليماً] بالنصب، وخرَّجه الكسائي على إضمار فعل، أو أن يعذَّب عذباً أليماً.
قوله:«هِيَ» ولم يقل هذه، ولا تلك، لفرط استحايئه «وهو أدبٌ حسنٌ حيث أتى بلفظ الغيبة دون الحضور.
فصل
قال ابن اخلطيب: في الآية لطائف:
إحداها: أن حُبَّها الشَّديد ليوسف، حملها على رعايةِ دقيقتين في هذا الموضع، وذلك لأنهَّا بدأت بذكر السِّجن، وأخرت ذكر العذاب؛ لأنَّ المحبَّة لا تسعى في إيلام المحبوب، وأيضاً: لم تقل إنَّ يوسف يجب أن يقابل بهذين الأمرين، بل ذكرت ذلك ذكراً كليًّا صوناً للمحبوب عن الذِّكر بالشر وأيضاً قالت:» إلَاّ أنْ يُسْجنَ «والمرادُ أن يسجن يوماً، أو يومين، أو أقل على سبيل التخفيف، فأمَّا الحبسُ الدَّائمُ فإنَّه لا يعبِّر عنه بهذه العبارة، بل يقال: يجبُ أن يجعل من المسجونين، كما قال فرعون لموسى عَلَيْهِ