للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ حين هدَّدُ {لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} [الشعراء: ٢٩] وأيضاً: لما شاهدت من يوسف أنه استعصم، مع أنه كان في عنفوان العمر، وكمال القوة، ونهاية الشهوة، وعظم اعتقادها في طهارته، ونزاهته، فاستحيتْ أن تقول: إنَّ يوسف قصدني بالسُّوءِ، ولم تجد من نفسها أن ترميهُ بالكذبِ، وهؤلاء نسبُوا إليه هذا الذَّنب القبيحَ.

وأيضاً: يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ أراد أن يضربها، ويدفعها عن نفسه [وكان] ذلك بالنسبة إليها جارياً مجرى السُّوء، فقولها {ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً} له ظاهر وباطن، باطنه أنَّها التي أرادت السُّوء، وظاهره دفعه لها ومنعها، فأرادت بقولها: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً} فعل نفسها بقلبها، أو في ظاهر الأمر، أو همت أنه قصدني بما لا ينبغي، ولما لطَّخت عرض يوصف بهذا الكلام؛ احتاج يوسف إلى إزالة هذه التهمة فقال: {هي راودتني عن نفسي} واعلم أنَّ العلاماتِ الكثيرة دالةٌ على صدق يوسف:

منها: أنَّ يوسف عليه السلام في ظاهر الأمر كان عبداً لهم، والعبد لا يمكنه أن يتسلط على مولاه إلى هذه الحدّ.

ومنها: أنَّهم شاهدوا يوسف هارباً ليخرج، والطالبُ للمرأة لا يخرج من الدَّار على هذا الوجه.

ومنها: أنهم رأوا المرأة زينت نفسها على أكمل الوجوه، ويوسف لم يكن عليه أثر من آثار تزيين النَّفس.

ومنها: أنَّهم كانوا شاهدوا أحوال يوسف في المُدَّة الطَّويلة، فما رأوا عليه حالة تناسب إقدامه على مثل هذا الفعل المنكر.

ومنها: أنَّ المرأة ما نسبته إلى طلب الفاحشة على سبيل التصريح، بل ذكرت كلاماً مجملاً، وأما يوسف فإنَّه صرَّح بالأمر، ولو كان مطاوعاً لها، ما قدر على التَّصريح، فإنَّ الخائنَ خائفٌ.

وكلُّ هذه الوجوه مما يقوِّي غلبة الظن ببراءة يوسف في هذه المسألة، ثم إنَّه تعالى أظهر ليوسف دليلاً يقوي تلك الدَّلائل على براءته من الذَّنب، وأن المرأة هي المذنبةن وهو قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ} فقوله: «مِنْ أهْلِهَا» صفة ل: «شَاهِدٌ» ، وهو المسوغ لمجيء الفاعل من لفظ الفعل، إذْ لا يجوزُ قام القائم، ولا: قعد القاعدُ، لعدم الفائدةِ.

واختلفوا في ذلك الشَّاهد على ثلاثةِ أقوالٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>