للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ عجز الأصنام، فقال: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَآءً} أي: من دون الله، وإنما ذكر بلفظ الجمعِ، وقد ابتدأ الخطاب لاثنين؛ لأنه أراد جميع أهل السِّجن، وكلَّ من هو على مثل حالهمَا من الشرك.

فإن قيل: لم سمَّاها أرباباً، وليست كذلك؟ .

فالجوابك لا عتقادهم فيها أنَّها كذلك، وأيضاً: الكلامُ خرج على سبيل الفرضِ، والتقدير، والمعنى: أنَّها إن كانت أرباباً، فهي خيرٌ أم الله الواحدج القهار؟ .

فإن قيل: كيف يجوزُ التفاضلُ بين الأصنامِ، وبين الله تعالى، حتَّى قيل: إنها خيرٌ أم اللهِ؟ .

فالجوابُ: أنَّهُ خرج على سبيل الفرض، والمعنى: لو سلمنا أنَّه حصل فيها ما يوجبُ الخير، فهي خيرُ أم اللهُ الواحدُ القهار؟ .

قوله تعالى: {إِلَاّ أَسْمَآءً} ، إما أن يراد بها المسميات، أو على حذف مضاف، أي: ذواتُ المُسمَّيات، و «سَمِّتُمُوهَا» ك صفةٌ، وهي متعديةٌ لاثنين حذف ثانيهما، أي: سَمَّيتُمُوها آلهة.

و «مَا أنْزَلَ» : صفةٌ ل: أسْمَاء «، و» مِنْ «: زائدةٌ في:» مِنْ سُلطَانٍ «، أي: حُجَّةٍ.

و» إن الحُكْمُ «:» إنْ «نافيةٌ، ولا يجوز الإتباع بضمَّة الحاء؛ كقوله: {وَقَالَتِ اخْرُجْ} [يوسف: ٣١] ، ونحو؛ لأنَّ الألف واللام كلمةٌ مستقلةٌن فهي فاصلةٌ بينهما.

فصل

قال في الآية: {أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} ، وذلك يدلُّ على وجودِ هذه المسميات، ثم قال في عقبه: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ} ، وهذا يدلُّ على أنَّ المسمى غير حاصلٍ، وبينها تناقضٌ.

والجوابُ: أنَّ الذوات موجودةٌ حاصلةٌ إلَاّ أنَّ المسمى بالإله غيرُ حاصلٍ؛ وبيانه من وجهين:

الأول: أن ذوات الأصنام، وإن كانت موجودةً، إلَاّ أنَّها غيرُ موصوفةٍ بصفاتِ الإلهية، وإذا كان كذلك، كان الشيءُ الذي هو مسمَّى بالإلهيَة في الحقيقة غير موجودٍن ولا حاصلٍ.

الثاني: رُوِيَ أنَّ عبدةً الأصنام مشبهةٌ، فاعتقدوا أنَّ الإله هو النورُ الأعظمُ، وأن الملائكة أنوارٌ صغيرةٌ؛ فوضعوا علَى صورة تلك الأنوارِ هذه الأرباب، ومعبودهم في الحقيقةِ هو تلك الأنوارُ، ثُمَّ إنَّ جماعة ممن يعبدون الأصنام، قالوا: نحن لا نقولُ إنَّ هذه الأصنام آلهةٌ للعالم، بمعنى أنَّها هي التي خلقت العالم، إلَاّ أنَّا نسميها آلهةٌ نعبدها؛ لا عتقادنا أنَّ الله أمرنا بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>