فأجاب الله تعالى عنه، فقال: أمَّا تسميتها بالآلهةِ، فما أمر الله بذلك، ولا أنزل في هذه التَّسمية حُجَّة، ولا برهاناً، وليس لغيرِ الله حكمٌ يجبُ قبوله، ولا أمرٌ يجبُ إلزامهُ بل الحُكْمُ والأمرُ ليس إلَاّ للهِ.
ثم إنه تعالى:{أَمَرَ أَلَاّ تعبدوا إِلَاّ إِيَّاهُ} : لأنَّ العبادة نهايةُ التعظيم؛ فلا يليقُ إلَاّ بمن حصل منه: الخلقُ، والإحياءُ، والعقلُ، والرزقُ، والهدايةُ، ونَعمُ الله كثيرةٌ، وإحسانه إلى الخلق غير متناهِ.
ثم قال تعالى:{ولكن أَكْثَرَ الناس لَا يَعْلَمُونَ} ، وذلك أنَّ أكثر الخلق ينسبون حدُوثَ الحوادثِ الأرضية إلى الاتصالاتِ الفلكية، والمناسباتِ الكوكبيَّة؛ لأجل أنه تقرر في العقولِ أنَّ الحادثَ لا بُدَّ له من سببٍ، فاعتبروا أحْوالَ الشمسِ في أرباع الفلكِ، وربطُوا الفُصُول الأربعة بحركة الشمسِ.
ثم إنهم لما شاهدوا أحوال النَّباتِ والحيوان، تختلفُ باختلافِ الفصول الأربعة غلب على طباع أكثرِ الخلقِ، أنَّ المدبِّر [لحدوث] الحوادث في العالم، هو الشمسُ والقمر، وسائرُ الكواكب.
ثم إنه تعالى إذا وفَّق إنساناً حتَّى ترقَّى في هذه الدَّرجةِ، وعرف أنَّها في ذواتها، وصفاتها مُفتقرةٌ إلى موجودٍ، مبدع قادرٍ، قاهر، عليم، حكيمٍ، فذلك الشخصًُ يكون في غاية النُّدرةِ؛ فلهذا قال:{ولكن أَكْثَرَ الناس لَا يَعْلَمُونَ} .
قوله «أمَرَ» يجوز أن يكون مستأنفاً، وهو الظاهر، وأن يكون حالاً، و «قد» معه مرادة عند بعضهم.
قال أبو البقاءِ: وهو ضعيفٌ لعضف العامل فيه.
يعني بالعامل: ما تضمنه الجَارُّ في قوله «إلَاّ الله» من الاستقرار.
قوله تعالى:{ياصاحبي السجن أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي} ، العامَّة على فتح الياء، من سقاه يسقيه، وقرأ عكرمة في رواية «فيُسْقِي» بضم حرفِ المضارعة من «أسْقَى» وهما لغتان، قال: سقاه، وأسقاه، وسيأتي أنَّهُما قراءتان في السبع، و {نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ}[النحل: ٦٦] ، هي هما بمعنَى أم بينهما فرقٌ؟ .
ونقل ابنُ عطيَّة، عن كرمة، والجحدريِّ: أنَّهما قرءا «فيُسْقَى ربُّهُ» مبنيًّا للمعفول، ورفع «ربُّهُ» ، ونسبها الزمخشريُّ لعكرمة فقط.