قوله تعالى:{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ} ، فاعلُ «ظنَّ» : يجوزُ أن يكون يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ إن كان تأويله بطريقِ الاجتهادِ، وأن يكون الشَّرابي إن كان تأويله بطريقِ الوحي، أو يكون الظنُّ بمعنى اليقين؛ كقوله تعالى:{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ}[البقرة: ٤٦] و {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ}[الحاقة: ٢٠] قال الزمخشريُّ. يعني أنه إن كان الظنُّ على بابه، فلا يستقيمُ إسناده إلى يوسف؛ إلَاّ ان يكون تأويله بطريق الاجتهاد، لأه منتى كان بِطَريقِ الوحْيِ، كان يَقِيناً؛ فينسب الظنُّ حينئذٍ للشرابيّ لا ليوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.
وأمَّا إذا كان الظنُّ بمعنى اليقينِ، فيصح نسبتُه إلى يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ إن كان تأويله بطريق الوحْيِ.
وذهب قتادة: إلى كونِ الظن على بابه وهو مسندٌ إلى يوسف إن كان تأويله بطريق الاجتهاد، فإنه قال:«الظنُّ هو على بابه؛ لأنّ عبارة الرُّؤيا ظنٌّ» .
قوله:«مِنْهُمَا» ، يجوزُ أن يكون صفةً ل «نَاجٍ» ، وأن يتعلَّق بمحذوفٍ؛ على أنَّهُ حالٌ من الموصول.
قال أبو البقاءِ: ولا يكونُ متعلقاً ب «نَاجِ» لأنَّه ليس المعنى عليه «قال شهاب الدين: لو تعلق ب» نَاجِ «لأفْهم أنَّ غيرهما نَجَا منهما، أي: انفلت منهما، والمعنى: أنَّ أحدهما هو النَّاجي، وهذا المعنى الذي نبه عليه بعيدٌ توهُّمهُ.
والضميرُ في» فَأنْسَاهُ «، يعودُ على الشرابيِّ، وقيل: على يوسف؛ وهو ضعيفٌ.
فصل في الاختلاف فيمن أنساه الشيطان ذكر ربه
قال يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ للناجي من الرجلين:{اذكرني عِندَ رَبِّكَ} ، إي: عند الملك، أي: اذكرني عنده أنَّهُ مظلومٌ من جهة إخوته، لما أخرجوه، وباعوه، ثم إنَّه مظلوم في هذه الواقعة؛ التي لأجلها حُبِسَ.
ثم قال تعالى:{فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبِّهِ} قيل: أنْسَى الساقي ذكر يوسف للملك، تقديره: فأنساه الشيطان ذكره لربه.
ورجَّح بعضُ العلماء هذا القول، فقال: لو أنَّ الشيطان أنْسَى يوسف ذكر الله، لما استحقَّ العقاب باللَّبثِ في السِّجْنِ؛ إذ النَّاسي غيرٌ مُؤاخذٍ.