للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد يجابُ عن ذلك بأنَّ النِّسيانَ قد يكونُ بمعنى التَّركِ، فلما ترك ذكر اللهِ، ودعاهُ الشَّيطانُ إلى ذلك، عوقب.

وأجيب عن هذا الجواب بقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: ٤٥] ، فدلَّ على أن النَّاسي هو السَّاقِي لا يوسف، مع قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] ، فكيف يصحُّ أن يضاف نسيانه إلى الشيطان، وليس له على الأنبياء سلطان؟ .

وأجيب عن هذا بأن النيسان لا عصمة للأنبياء عنه، إلَاّ في وجه واحد وهو الخبرُ من الله تعالى، فيما يلقَّونه؛ فإنَّهم مَعْصُومُون فيه، وإذا وقع منهم النيسان حيثُ يجوزُ وقوعه، فإنَّه ينسبُ إلى الشيطان؛ وذلك إنَّما يكونُ فميا أخبر الله عنهم، ولا يجوز لنا نحن ذلك فيهم، قال عليه السلام:» نَسِيَ آدمُ فنَسِيَتْ ذُريته «وقال:» إنَّما أنا بشرٌ، أنْسَى كما تَنْسَوْن «.

وقال ابنُ عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما وعليه الأكثرون:» أنسى الشيطانُ يوسف ذكر ربِّه؛ حتَّى ابتغى الفرج من غيره، واستعان بمخلوقٍ؛ وتلك غفلة عرضتْ ليُوسفَ مِنَ الشَّيطانِ «.

» فَلبِثَ «: مكث» في السِّجنِ بضْعَ سِنينَ «قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» يَرْحَمُ اللهُ أخِي يُوسفَ؛ لوْ لَمْ يقُلْ: «اذْكرنِي عِنْدَ ربِّكَ» ؛ ما لبثَ فِي السِّجن «ومما يدلُّ على أنَّه المراد قوله: {فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبِّهِ} ولو كان المراد الساقي لقال فأنساه الشيطان ذكر يوسف.

واعلم أنَّ الاستعانة بغيرِ الله في دفع الظلمن جائزةٌ في الشريعة، لا إنكار عليه.

وإذا كان كذلك، فلم صار يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ مُؤاخذاً بهذا القدر؟ وكيف لا يصيرُ مؤاخذاً بالإقدام على الزِّنا؟ ومكافأة الإحسان بالإساءة [أولى] ؟ .

فلما رأينا الله أخذ يوسف بهذا القدرِ، ولمْ يؤاخذه في تلك القضية ألبتَّة، وما عابهُ، بل ذكره بأعظمِ وجوهِ المدحِ والثناءِ علمنا أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ كان مُبَرًّأ ممَّا نسبوهُ إليهِ.

فصل في اشتقاق البضع وما يدل عليه

قال الزجاج: «اشتقاقُ الضْعِ من بَضعْتُ بمعنى قَطْعْتُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>