للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ولو أدخلت الذنب عليه عند حضوره، لكنني لم أدخل الذنب عليه عند غيبته؛ لأني لم أقلْ فيه وهو في السجن خلاف الحقِّ، ثم إنها بالغت في تأكيد هذا القول وقالت: {وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} ، أيك لما أقدمتُ على الكيدِ، والمكرِ، لا جرم افتضحْتُ؛ فإنه لمَّا كان بريئاً، لاجرم أظهره الله، عز وعلا.

قال صاحبُ هذا القولِ: الي يدلُّ على صحَّتهِ: أنَّ يوسف صلوات الله وسلامه عليه ما كان حاضراً في ذلك الملجلس حتَّى يقال: لمَّا ذكرتِ المرأةُ قولها: {الآن حَصْحَصَ الحق أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} ، ففي تلك الحالة قال يوسف: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} ، بل يحتاج فيه إلى أن يرجع الرسول عن ذلك المجلس إلى السجن، ويذكر تلك الحكاية.

ثم إنَّ يوسف يقول ابتداء: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} ومثلُ هذا الوصل بين الكلامين الأجنبيين، ما جاء ألبتة في نثر ولا نظم؛ فعلمنا أن هذا من تمام كلام المرأة.

قال القرطبي: وهو متصلٌ بقولِ امرأة العزيز: «الآنَ حَصْحَصَ الحقٌّ» أي: أقررتُ بالصدقِ؛ {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} بالكذب عليه، ولم أذكره بسوءٍ، وهو غائبٌ، بل صدقتُ، وزجرت عنه الخيانة، ثم قالت: «ومَا أبرِّىءُ نَفسِي» ؛ بل أنا روادته وعلى هذا هي كانت مقرة بالصانع؛ ولهذا قالت: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .

وقيل

: {ذلك

لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} ، مِنْ قولِ العزيز، وإنِّي لم أغفل عن مجازاته على أمانته.

{وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} معناه: إنَّ الله لا يهدي الخائنين بكيدهم.

فصل

دلَّت هذه الآية على ظهارةِ يوسف صلوات الله وسلامه عليه من الذنب من وجوه:

الأول: أن الملك لما أرسل إلى يوسف صلوات الله وسلامه عليه وطلبه، فلو كان يوسف متهماً بفعلٍ قبيحٍ، وقد كان صدر منه ذنبٌ، وفحشٌ؛ لاستحال بحسب العرفِ العادةِ، أن يطلب من الملك أن يفحص عن تلك الواقعة، وكان ذلك سعياً منه في فضيحةِ نفسه، وفي حمل الأعداءِ على أن يبالغوا في إظهار عيوبه.

والثاني: أنَّ النسوة شهدن في المرة الأولى بطهارته، ونزاهته، {وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هذا بَشَراً إِنْ هاذآ إِلَاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: ٣١] ، وفي المرة الثانية: {حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء} .

<<  <  ج: ص:  >  >>