والثالث: أنَّ امرأة العزيز اعترفت في المرة الأولى بطهارته، حيثُ قالت:{وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم}[يوسف: ٣٢] ، وفي المرة الثانية قولها:{الآن حصحص الحق أنا روادته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} ، وهذا إشارةٌ إلى أنَّه صادقٌ في قوله:{هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي}[يوسف: ٢٦] .
والرابع قول يوسف {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} .
قال ابن الخطيب:«الحشويَّةُ يذكرون أنَّه لما قال هذا الكلام، قال جبريل عليه السلام: ولا حين هَمَمْتَ، وهذا من رواياتهم الخبيثة، وما صحَّت هذه الرواية في كتابٍ معتمدٍ، بل هم يلحقونها بهذا الموضع سعياً منهم في تحريفِ ظاهر القرآن» .
والخامس: قوله: {وَأَنَّ الله لَا يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} ، يقتضي أن الخائن لا بدَّ أن يفتضح، فلو كان خائناً، لوجب أن يفتضحح ولما خلصه الله من هذه الورطة، دلَّ ذلك على أنه لم يكن من الخائنين.
ووجه آخر: وهو أنَّ ت في هذا الوقت تلك الواقعة صارت مندرسةً، فإقدامه في قوله {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} ، مع أنَّهُ [خانه] بأعظم وجوه الخيانة وأقدم على فاحشةٍ عظيمةٍ، وعلى كذبٍ عظيمٍ من غير أن يتعلق به مصلحة بوجهٍ ما، والإقدامُ على مثل هذه الوقاحة من غير فائدة أصلاًح لا يليق بأحدٍ من العقلاءِ، فكيف يليق إسناده إلى سيِّد العقلاء، وقدوة الأصفياء، فثبت أنَّ هذه الآية تدلُّ دلالة قطعيَّة على براءته مما يقول الجُهَّال.
قوله تعالى:{وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي} الآية اعلمْ أنَّ تفسير هذه الآية يختلف باخلاف ما قبلها؛ لأنَّه إن قلنا قوله {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} ، كلام يوسف، كان هذا أيضاً كلام يوسف، وإن قلنا:: إنه من تمام كلام المرأة، كان هذا أيضاً كذلك، وإذا قلنا: إنه من كلام يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، فقالوا: إنه صلوات الله وسلامه عليه لما قال: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} ، قال جبريلُ عليه السلامُ ولا حين هَمَمْتَ، فعند هذا، قال يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:{وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء} ، أي: بالزِّنا، {إِلَاّ مَا رَحِمَ ربي} أي عصم، {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لِلْهمِّ الذي همَّ به، «رَحِيمٌ» ، أي لو فعلته، لتابَ عليَّ.
قال ابنُ الخطيب رَحِمَهُ اللَّهُ:«هذا ضعيفٌ؛ فإنَّا بينا في الآية الأولى برهاناً قاطعاً على براءته من الذنب» .